القاهرة ــ المحميّات السياسيّة في مصر تؤلّفها شخصيات عدّة لا تتوقّف عند أحمد عز أو محمد نصير. بعضهم يدخل ضمن فئة المؤسّسين. أقدم شخصيات هذه المحميات هو حسين سالم، وهو الأكثر غموضاً في مصر. لم يكن بالإمكان استخدام اسمه، فكان يشار إليه بـ «صديق الرئيس» أو «الرجل الغامض». لكن منذ عامين، خرج اسمه إلى العلن واستهدفته الصحافة، ما يعني أن سالم أُخرج من المحمية الخاصة المغلقة إلى العلن ليجري حرقه والاستغناء عنه. فيما رشّحه آخرون ليكون الضحية التي يقدّمها النظام إلى الغاضبين، وهو ضحية كبيرة لا ينافسها سوى أحمد عز.
يختلف حسين سالم عن أحمد عز. الأول محمية قديمة تربّى داخل مؤسسات تجمع السلطة والانضباط والسرية. تكوّنت محميته في الخفاء «بعيداً عن الأضواء»، ولعب في «البزنس» بخجل لأنّ الجمع بين السلطة و«البزنس» كان ضد القانون. لكن مع وصول مبارك إلى الحكم تكسرت الحواجز. وهذه كانت لحظة ولادة المحميات السياسية.
يريد النظام أن يقول للعالم إنه ودّع الاشتراكية إلى غير رجعة، وإنه يفتح الأبواب أمام القطاع الخاص. في الوقت نفسه، لا يود أن تنفلت الثروة بعيداً عن سيطرته. تقرّر أن تجري «التقسيمة» على «أهل ثقة» من اختيار النظام. هؤلاء كانوا الجيل الأول من الديناصورات الذين كبروا في رعاية «الدولة» وتحت جناحها. لم يكوّنوا طبقة رأسمالية وطنية تنمو ويزدهر معها اقتصاد الدولة، لكنهم ظلوا في حدود مزرعة الديناصورات التي تديرها الدولة بالكامل. تضخّمت الثروات بقوة الصاروخ، وتحرك الاقتصاد بسرعة السلحفاة.
المحميات ليست مستقلّة عن النظام. تعمل بأوامره وتتحرك في حدود رغباته. تتضخم ثرواتها ما دامت تدفع النسبة المعروفة. هذه النسبة معلومة لكل من تعدّت مشاريعه رقما معيّناً يسمّى في لغة «البزنس» السرية: المنطقة الحمراء. ستُدفع النسبة وإلّا فلن يمرّ المشروع وتخرج وحوش البيروقراطية لتذكّرك أنك في دولة مش «سايبة».
المحميات تُمارس نشاطها فوق القانون، بل تشعر بعد فترة بأنها القانون، لكنها لا تستطيع الاستمتاع بهذه القوة على نحو مطلق. تعيش في الخطر. ولن يعرف صاحب المحمية متى وأين تحين ساعة الخطر؟ الأمر الذي يجعله مندفعاً نحو «التكويش».
من هذه التصورات والعمل في الظل ولدت محمية حسين سالم (الذي قيل إنه أول الهاربين)، ورغم أنه أقدم محمية سياسية، فإن المعروف عنه قليل جداً. هو زميل مبارك في سلاح الطيران، ومدير أموال شخصيات كبيرة في النظام. أحياناً تتمثّل هذه الشخصيات في مبارك نفسه، أو في أسماء من جهات عليا، وتعتمد المحمية السياسية على القرب من الرئيس وعائلته. وهذه محميات الدرجة الأولى.
الحكايات ليست مؤكدة بطريقة حاسمة، لكن هذه أحد أسرار نفوذ حسين سالم، الذي يعدّ قائد شرم الشيخ، بعدما بناها بناءً حقيقيّاً وبشعور المحتكر الأول، إلى أن فكّت الدولة قبضتها قليلاً لتسمح بدخول آخرين. وُهزم في الصراع الداخلي بين المحميات فخرج منها واضطر إلى قبول مشاركة الآخرين في «دولته» التي بناها بثقة الجهات العليا. الثقة الممنوحة لحسين سالم مختلفة عن الثقة في أحمد عز مثلاً، وعليه يبدو أن سالم قاوم الهزيمة واستطاع أن يستعيد موقعه.
سالم يعيش على فكرة إقامة الرئيس الدائمة في فندقه، على خلاف ما هو متعارف عليه أن يقيم الرئيس في استراحة تابعة للرئاسة. لكن مبارك، ورغم إقامته الطويلة في شرم الشيخ، لم يفكر في بناء استراحة رسمية وفضّل الإقامة في فندق يملكه سالم. لا نعرف من الذي يدفع التكاليف، وإذا كانت من خزانة الرئاسة، لكن لماذا لا تُبنى استراحة يستفيد منها الرؤساء المقبلون؟ أم أن إقامة رئيس الجمهورية تأتي في إطار علاقة لا يعرف سرها سوى اثنين: مبارك وحسين سالم؟
العلاقة أساسها الثقة في حسين سالم. وقد بدأت، بحسب فرنسا، بحكاية الصحافي الأميركي «بوب ود وورد»، مفجّر فضيحة «ووتر غايت» الشهيرة في كتابه «الحجاب». الحكاية عن شركة اسمها «الأجنحة البيضاء»، وهي مسجلة في فرنسا. مهمتها نقل أسلحة. مؤسسوها أربعة هم: منير ثابت (شقيق سوزان مبارك)، وحسين سالم، وعبد الحليم أبو غزالة، ومحمد حسني مبارك (نائب رئيس الجمهورية في فترة السادات)، إلخ.
الشركة تعرضت لاتهامات قضائية في أميركا (عام 1981 تقريباً) لمخالفتها بعض القوانين التجارية هناك، لكن حسين سالم أبعد مبارك لحساسية موقعه السياسي. بعدها بدأ اسمه يتردد في نشاطات اقتصادية ذات طبيعة حساسة. انطلقت من شركات البترول وبناء شرم الشيخ، المقر المفضّل لمبارك.
حكايات نُشرت أكثر من مرة. ولم يكذب الرئيس ما جاء في الكتاب الأميركي. هذا سر حسين سالم من وجهة نظر من يتابعون نشاطه في المجالات الحساسة المعلن منها، أي البترول. نشاطاته أقرب إلى التكليفات الغامضة: شراكة مع إسرائيل في شركة بترول. تصدير الغاز لإسرائيل. إنشاء قاعة مؤتمرات في شرم الشيخ.
وكما كان أحمد عز صنيعة صدفة ألقت به في طريق جمال مبارك، ونقلته من قائمة صيادي الثروات إلى رجل قوي في الحزب الحاكم، فإنه كان مجهولاً قبل عشر سنوات وعلاقته بالسياسة بدأت بالتبرع، فتحول إلى صاحب منصب. «المهم أن تختار من تتبرع لمشروعاته».
وزراء في الحكومة الحالية مثل أنس الفقي بدأوا مسيرتهم السياسية بالتبرع لمشروعات قرينة الرئيس، وأحمد عز بدأ بالتبرع لجمعية «جيل المستقبل»، الحجر الأساس في المشروع السياسي لابن الرئيس. من يومها وهو شريك الابن. كلاهما صعد؛ عز انتقل من وريث عائلة متوسطة تمتلك ورشة ودكاناً لبيع الحديد والفراخ المجمدة إلى «إمبراطور» الحديد، فيما أصبح مبارك الابن المدير الفعلي للحزب الوطني الحاكم وصاحب سيناريو خلافة أبيه.
ثروة عز قفزت إلى أرقام خيالية ومعها صعد سياسياً حتى أصبح صاحب كلمة في الحزب. جمال لم يحقق الصعود السياسي فقط بل انتقل إلى الطبقة العليا، وتحوّل من موظف في بنك لندني إلى الشريك الشائع في بزنس واسع.
جمال وعز هما أحد «موديلات» زواج المال والسلطة الذي التهم تباعاً البنية التحتية للدولة. فالشهوة إلى الثروة أتت على حساب الدولة.
من الصدفة أيضاً خرج هشام طلعت مصطفى، الذي يتساءل الناس في مصر: أين هرب عندما فتحت أبواب السجون؟ هشام هو ملك الإسكندرية. يذكّر بقصة رشاد عثمان، مليونير الثمانينيات الشهير، الذي قفزت ثروته فجأةً من مالك مخازن أخشاب إلى مالك المدينة، حتى إن الرئيس أنور السادات أوصاه في عبارة شهيرة: «خلي بالك من الإسكندرية يا رشاد».
رشاد انتهى في السجن متهماً بالفساد، وها هو هشام طلعت مصطفى وريثه يذهب إلى السجن متهماً بالتحريض على قتل الفنانة سوزان تميم...



هشام مصطفى المُنقذ

هشام طلعت مصطفى هو ابن مقاول عصامي بدأ إمبراطوريته في الكويت. الدلال الذي حصل عليه كونه الابن الأصغر لم يمنع أن يكون الأكثر مهارةً في التفكير المالي. اختار له الأب دراسة المحاسبة، معارضاً رغبته في أن يكون مهندساً مثل شقيقيه. بالفعل أصبح هو المنقذ للمجموعة من الإفلاس بعد ديون وصلت إلى 900 مليون جنيه. ثم صعد إلى رأس إمبراطورية تضم 21 شركة، ولها شركاء أيضاً من أمراء الخليج، بعدما عرف خلطة العصر، وأدرك قانون التزاوج بين السلطة والمال. شقّ هشام الطرق السرية ليصبح واحداً من أعمدة الحكم المالية والسياسية.