منذ تصاعد «ثورة النيل» وتسارع التطورات على الساحة المصرية، موحيةً بقرب سقوط النظام، نفضت معظم الأحزاب المصرية الغبار عنها بعد سنوات اقتصرت فيه معارضتها للنظام على الخطب والبيانات. الأحزاب تحاول إيجاد موطئ لها في ساحات التظاهرات التي تقودها حركات احتجاجية شبابية، على أمل أن تحظى ببعض من مكتسبات الثورة الشعبية.
ورغم أن قوى المعارضة المصرية أجمعت أمس على رفضها «القاطع» لأي حوار مع الحكومة التي عينها الرئيس حسني مبارك، وإعلان إنشاء «الائتلاف الوطني» لقيادة العمل السياسي في هذه المرحلة، إلّا أن تركيبة الائتلاف ما زالت غامضة، ولا سيما بعدما بدأت الخلافات تطفو على السطح بين الأحزاب والحركات السياسية، بشأن هوية الشخصية السياسية التي سيقع عليها الاختيار لقيادة لمرحلة الانتقالية، في حال تحقق مطالب الشعب بسقوط النظام.
تراجع دور الأحزاب المصرية في العمل السياسي خلال السنوات الماضية، يعود إلى العديد من الأسباب، في مقدمتها الخلافات الداخلية التي تعصف بين قادة الحزب الواحد وانعكاسها على أداء الأحزاب، فضلاً عن دوران العديد من الأحزاب في فلك النظام، وتفضيل بعضها الآخر اللجوء إلى مهادنته. وأسهم ذلك في بروز حركات احتجاجية أثبتت أنها الأقدر على قيادة الشارع. وفي مقدمة هذه الحركات، الحركة المصرية للتغيير «كفاية» التي أسسها جورج إسحق عام عام 2004، ونجحت في تنظيم احتجاجات ضد حكم مبارك منذ عام 2005، رافضةً فكرة توريث الحكم لنجله الأصغر جمال.
وتراجع أداء الحركة بفعل انشقاقات داخلية، مهد الطريق أمام حركة «6 أبريل» التي أُنشئت قبل ثلاث سنوات، وتؤدي اليوم دوراً رئيسياً في الاحتجاجات. إلا أن تفضيل الحركة حصر نضالها في الشارع بعيداً عن القيادات السياسية، أفسح المجال أمام بروز «الجمعية الوطنية للتغيير» بقيادة المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، الذي يحاول تصدر المشهد والترويج لنفسه على أنه أكثر الأشخاص أهلية لقيادة المرحلة الانتقالية.
وقبيل اندلاع «ثورة النيل»، لم تكن «الجمعية الوطنية للتغيير» التي تطالب بنظام سياسي يقوم على الديموقراطية الحق والعدالة الاجتماعية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة إلى جانب إنهاء حالة الطوارئ، قادرة على طرح نفسها بديلاً سياسياً حقيقياً، نتيجة غياب البرادعي الطويل عن البلاد بعدما قضى معظم سنواته خارجها، ما أفقده التواصل مع التنظيمات السياسية الأخرى.
إلا أن البرادعي، الذي يحظى بدعم مقبول بين الفئات الشبابية، نجح في تعزيز فرصه بعدما استفاد من دعم جماعة الإخوان المسلمين، التي تسعى إلى عدم الظهور في الصورة مباشرة، على الأقل في المرحلة الراهنة، بانتظار قيام انتخابات عامة في البلاد تسمح لها بإظهار قوتها الحقيقية.
والجماعة المحظورة من السلطات، والتي رفضت أن تشارك في تظاهرات يوم الثلاثاء في الخامس والعشرين من الشهر الماضي بحجة عدم دعوتها، حاولت استدراك خطئها بعدما اكتشفت أن الاحتجاجات التي عمت المحافظات قد تجاوزتها. وعجلت على ما يبدو الاتهامات التي وجهت للجماعة، بمحاولة مهادنة النظام وعقد صفقة جانبية معه، بعد سلسلة من اللقاءات التي كانت قد أجرتها مع قيادته خلال الأسابيع الماضية، من إعلان انضمامها إلى الاحتجاجات واستعدادها للعمل مع البرادعي، من خلال لجنة موسعة للاتفاق على تصور للمرحلة الانتقالية.
وتفويض البرادعي أثار حفيظة الكثيرين، من بينهم زعيم حزب الغد، أيمن نور، الذي أكد أول من أمس أن البرلمان الشعبي لم يقرر تفويض تأليف حكومة انتقالية إلى البرادعي، واتخذ عوضاً عن ذلك قراراً بتأليف لجنة قيادية من عشر شخصيات من المعارضة بينها المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كذلك سارعت احزاب عدة مثل الوفد والتجمع والناصري، إلى جانب الغد، إلى تأليف تحالف باسم «الائتلاف الوطني للتغيير». وبعدما حدد الائتلاف الذي ضم كذلك شخصيات عامة بينها العالم المصري أحمد زويل، مجموعة من المطالب أهمها رحيل مبارك، رفض ما سماه «محاولات القفز التي تجري الآن فوق انتفاضة الشعب»، في إشارة غير مباشرة إلى البرادعي.
ورغم معارضة بعض الأحزاب للبرادعي، فإنها تبدو عاجزة عن طرح بديل آخر مقبول، ولا سيما أنها تمثّل مجموعة من الأحزاب النخبوية التي فشلت في استقطاب الشارع. فحزب الوفد الذي يعد من أعرق الأحزاب المصرية، يعجز اليوم عن إثبات تمتعه بدعم شعبي. وبدوره، يعاني حزب التجمع إلى جانب خلافاته الداخلية اتهامات بمحاباة السلطة ليبقى الرهان على أيمن نور.