مناورة ناجحة نفّذها عشرات الشباب أمام السفارة المصرية في بيروت، أمس، مستبقين الاعتصام الذي دعت إليه مجموعات شبابية يسارية وقومية عربية ومستقلون، عند الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم. معظم الشباب الذين حضروا، هم من طلاب كلية الفنون في الجامعة اللبنانية في الحدث، سارعوا إلى دعوة زملائهم عبر موقع «فايسبوك» إلى الاعتصام أمام السفارة المصرية في بيروت، على غرار عشرات الاعتصامات التي نُظّمت عفوياً في العديد من العواصم العربية والأوروبية. نصف ساعة على تجمع الطلاب سمحت بوصول عددهم إلى ما يزيد على خمسين. وفي وقت قامت فيه مجموعة منهم بكتابة الشعارات، لم تتوقف الهواتف عن طلب المزيد من الدعم الذي أتى عاجلاً من طلاب كلية السياحة القريبة من مقر السفارة.
الطالب محمد بزي سارع إلى الانضمام إلى زملائه الذين تجمّعوا عند المفترق المؤدي إلى السفارة في منطقة بئر حسن لجهة جسر الكولا. وأكد بزي أنّ الطلاب قرروا الاعتصام بعدما تلقّوا رسائل من زملاء لهم في مصر، يؤكّدون فيها ضرورة التحرك يوم الجمعة بالتزامن مع تحركات «يوم الغضب» عقب صلاة الجمعة، لإيصال رسالة إلى العالم تطالب بعدم التعرض للمتظاهرين، وخصوصاً بعد قطع شبكات الهواتف والإنترنت.
فجأةً تركن إلى جانب المعتصمين سيارة من طراز «كاديلاك» سوداء، ويترجل منها مدني، تبيّن أنه من «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي. ماذا تفعلون هنا؟ يسأل طالباً من الإعلاميّين عدم تصويره. ويتابع سيل الأسئلة: من المسؤول عنكم؟ كم هو عددكم؟ هل ستحضر شخصيات سياسية؟ لكن المعتصمين لم يجيبوا، بل انطلقوا باتجاه مدخل السفارة في خطوة دفعت به إلى إجراء اتصال، طالباً حضور تعزيزات أمنية عاجلة، بعدما أصبح متعذّراً تركيب سياج أمني يحول دون وصول المتظاهرين إلى مدخل السفارة، على غرار الاعتصامات السابقة التي كانت تبقيهم على الطريق العام.
دقائق على بدء الاعتصام، وينضم إلى المعتصمين شباب مصريّون حاملين أعلام بلدهم، وتبيّن أنهم كان يقفون في منطقة قريبة من السفارة بانتظار من يبادر إلى الاعتصام. عشرات الهتافات صدحت بها حناجر المعتصمين: «يا مبارك يا مبارك، بِن علي بانتظارك. بن علي بيناديك، فندق جدة مستنّيك. أهلاً بمصر العربية بدون سفارة إسرائيليّة. يا جمال قول لأبوك، المصريين بيكرهوك. يلي جوَّع غزة ومصر، مش لازم يبات في القصر. ثورة ثورة للحرية ضد حكومة بلطجية».
وعلى وقع الهتافات التي ظهر بعضها بعد جولة تصفُّح على الإنترنت عبر أجهزة «البلاك بيري»، طلب الشاب المصري مصباح بدوي من الصحافة أن يعيروه ورقة وقلماً ليكتب شعاراً، لكنّ يد مصباح المرتجفة لم تقوَ على الكتابة، فتوجه إلى المعتصمين صارخاً: «ما في جمال إلا جمال عبد الناصر». عبارة ردّدها الحضور بسرعة وبأعلى أصواتهم، ونالت ابتسامة ضابط الأمن من الجهة المقابلة.
وقال مصباح بلكنته المصرية: «لو ما فيش حد، كنا وقفنا لوحدنا. إذا ما وقفنا اليوم ووصّلنا صوتنا، إمتى حا نوقف». يعمل مصباح دهّاناً، وهو يقدر عدد المصريين المقيمين في لبنان بما يزيد على 60 ألفاً، ويؤكد أنهم «لو عرفوا بالتحرك، لحضروا، لأن وجودهم في لبنان لم يكن إلّا بسبب نظام مبارك الذي دفعهم إلى الهجرة. ويسأل: «80 مليون مصري تحكمهم زمرة فاسدة إلى متى؟».
حناجر الشباب صدحت أيضاً بأغاني الشيخ إمام «ناح النواح والنواحة على بقرة حاحا النطاحة» و«شيد قصورك على المزارع من كدّنا وعمل ايدينا». أغانٍ لم تشوّش عليها إلا أصوات محركات عربات الجيش اللبناني، الذي سيّر دوريات قرب مقر السفارة.
الناشطة دموع حوري أكّدت أنّ «الشعب إذا جاع، فسيأكل حكّامه، وهذا ما حصل في تونس، ويحصل اليوم في مصر، وسيحدث غداً في جميع الدول العربية».
ومساءً، عقد في مقهى «درابزين» في قريطم اجتماع تحضيريّ للاعتصام الذي سيجري عند الثالثة من بعد ظهر اليوم، هو الذي تقرّر أن يكون تحت شعار «الشعب المصري يريد الحياة، ولا بد أن يستجيب القدر».