تونس| قبل ساعة من سريان حظر التجوال في العاصمة التونسية مساء أول أمس، خرج رئيس الوزراء محمد الغنوشي ليعلن التغيير الحكومي الذي طال انتظاره من فئات الشعب لتحديد توجّهات المرحلة المقبلة، على أمل أنه سيرضي تجمعات المتظاهرين والمعتصمين، إضافة إلى أطراف المعارضة، وفي مقدمتها الاتحاد التونسي للشغل. الغنوشي قدّم حكومته الجديدة بعدما خرجت منها الوجوه المعروفة من حزب «التجمع الدستوي الديموقراطي» الحاكم سابقاً، لتدخل بديلاً منها أسماء غير معروفة لعامة الشعب التونسي
، وحتى بعض الناشطين السياسيين في البلاد، وهو ما أثار حالاً من البلبلة في أوساط المحتجين، الذين انقسموا بين مرتاحين للتعديل وآخرين يرون أن الغنوشي يعمد إلى «التحايل على الشعب».
حال الهدوء الصباحي في شارع الحبيب بورقيبة لا تنعكس على الوضع في منطقة القصبة، حيث الاعتصام أمام مقرّ رئاسة الوزراء. المكان هناك تحوّل إلى ساحة خيام لا يمكن الدخول إليها إلا بعد عبور مجموعة من الإجراءات الأمنية وعشرات رجال الشرطة والجيش.
مئات التونسيين افترشوا المساحات المحاذية للمقرّ الحكومي، ويأبون التحرّك حتى تحقيق مطالبهم المتمثّلة بإقصاء بقايا التجمّع الدستوري الديموقراطي. والمعتصمون قادمون من ولايات (محافظات) تونسية مختلفة، ولديهم ما يقولونه في ما يخص رؤيتهم للوضع وموقفهم من التغيير الحكومي. أمام عشرات الصور للشهداء الذين سقطوا خلال الانتفاضة الشعبية، وقف جمال الدين الهمامي، القادم من ولاية باجة، ليؤكّد أن الاعتصام باقٍ، وإن كانت الحكومة الجديدة ترضي أحزاب «ما يسمى المعارضة».
الهمامي، الذي يعرّف عن نفسه بأنه مستقل، يشدّد على أن «الاعتصام ليس لأحزاب أو منظمات، بل هو اعتصام للشعب الذي يريد تغيير الحكومة، وإقالة كل المنتمين إلى حزب التجمع الدستوري». وعلى غرار العديد من التونسيين الباقين، يرى أن التشكيلة «أخرجت الوجوه والأسماء المعروفة من التجمع، وأدخلت وجوهاً أخرى غير معروفة». ويشير إلى أن الحل بالنسبة إليه هو «تأليف لجنة حكماء تحكم البلاد إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وحكومة تمثّل إرادة الشعب».
ويدلّ المعتصمون على أحقية مطالبهم بتلاوة روايات تؤكد أن ممارسات النظام السابق لا تزال قائمة في عهد الحكومة الحالية، ولا سيما في ما يخصّ التعذيب وإطلاق الميليشيات لمواجهة المتظاهرين والمحتجين. رمزي الجيناوي قادم من ولاية القيروان يحكي عن هجوم كان يعدّه مسلحون على مكان الاعتصام. ويشير إلى تواطؤ من فئات من رجال الأمن تدعى «البوب»، كانت تحت إمرة الحرس الرئاسي، مع هذه الميليشيات التي سمحت للمسلحين بالاقتراب من مكان التجمع، غير أن الجيش منعهم. وأيضاً يروي كيف أن أربعة شبان نقلوا أمس إلى المستوصف القريب من مكان الاعتصام للمعالجة من عارض صحي، غير أن الأمن اعتقلهم «واغتصبوا». ويخلص إلى القول إن البلاد «لا يزال فيها الإجرام والميليشيات التابعة لنظام بن علي».
الحبيب عيوني آتٍ من سيدي بوزيد، البلدة التي شهدت الشرارة الأولى للثورة التونسية، يعرف عن نفسه بأنه نقابي مستقل، هو أيضاً رافض لفك الاعتصام الذي يؤكّد أنه «وسيلة وليس غاية». أما الغاية، بالنسبة إليه، فهي تأليف «مجلس تأسيسي وحل البرلمان وتعليق الدستور». ويرى أن هدف المجلس التأسيسي هو إعادة البناء من جديد، على اعتبار أنه «لا يمكن بناء الثورة على بقايا التجمّع». ويدعو إلى «مجلس حماية للثورة يخرج من صلب المعتصمين، ويضم ممثلين عن الأحزاب والنقابات».
ويؤكّد عيوني أن الناس فقدوا الثقة بمحمد الغنوشي، ويريدون تنحيته، باعتباره عمد إلى المناورة و«كذب على الناس منذ اللحظة الأولى لخروج بن علي، حين عمد إلى الحديث عن المادة الـ56 من الدستور، ثم تحوّل إلى المادة الـ57». ويرى أن هناك أيادي «تحرّك الغنوشي، فهو لا يقرر من تلقاء نفسه».
ويتدخّل حسام، القادم من القيروان، ليشير إلى أن الحكومة تسعى إلى بث الفتنة بين المعتصمين ودس أشخاص لمحاولة التفريق في ما بينهم وفق اعتبارات مناطقية وحزبيّة، تمهيداً لإحداث بلبلة تدفع إلى التدخل لفك الاعتصام.
فك الاعتصام كان هدفاً للحكومة منذ صباح أمس. وقرار إزالته قد اتخذ وكان ينتظر التنفيذ. ولهذه الغاية، عمدت الهيئة الوطنية للمحامين إلى نشر مجموعة من أفرادها بين المعتصمين لمحاولة إقناعهم بفض الاحتجاج. ويؤكد المحامي محمد علي بو شيبة أن الهدف من حركة الهيئة هو «محاولة الشرح للمعتصمين عن طبيعة التعديل الوزاري ومحاولة إقناعهم بأن هناك انتصاراً قد تحقّق». ويرى أنّ من الضروري «تحديد سقف محدد للمطالب لعدم إلحاق أذيّة بالمعتصمين».
ويشير بو شيبة إلى أن الحكومة قد اتخذت قراراً بفض الاعتصام «بين اليوم (أمس) وغداً (اليوم)، وأنها كلفت الجيش تنفيذ ذلك». ويرى أن الحكومة تريد توريط الجيش في مواجهة مع المعتصمين، وعلى هذا الأساس فإن هدف المحامين هو الحؤول دون ذلك.
لكن مصدراً عسكريّاً رفيع المستوى أكد ظهر أمس لـ«الأخبار» أنه لا قرار بفض الاعتصام بالقوة، لكنه أشار إلى أنه لا يمكن أن يبقى إلى ما لا نهاية، وأن المجال مفتوح اليوم للمفاوضات لإنهاء الاحتجاج سلمياً. لكن المساعي لم تؤدّ إلى تسوية، وفُضّ الاعتصام بالقوة مع حلول أولى ساعات الليل.