وصلت وثائق «الجزيرة» أمس إلى نقطة هي الأشد حساسية في العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وإذا كان التخطيط للتنازل لم يصل إلى التنفيذ، سواء في ما يتعلق بالقدس المحتلة أو اللاجئين، فإن نقطة التنسيق الأمني كان عنوانها التنفيذ مع القليل من التخطيط. تنسيق أمني عالي المستوى، تدرج خلال مراحل مختلفة لاستهداف فصائل المقاومة الفلسطينية.
ففي لقاء خلال عام 2005 بين وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك شاؤول موفاز ووزير الداخلية الفلسطيني السابق اللواء نصر يوسف، ناقشت السلطة والحكومة الإسرائيلية، بحسب الوثائق، اغتيال القيادي في كتائب شهداء الأقصى ـــــ الذراع العسكرية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ـــــ حسن المدهون في غزة.
وفي الحوار بين الجانبين، يقول موفاز إن «حسن المدهون نعرف عنوانه، ورشيد أبو شباك (نائب مدير الأمن الوقائي الفلسطيني بغزة سابقاً) يعرف ذلك، لماذا لا تقتلونه؟»، فيرد عليه نصر يوسف بالقول: «أعطِ تعليمات لرشيد وسنرى».
بعد ذلك بأسابيع، في الأول من شهر تشرين الثاني 2005، استهدفت الطائرات الإسرائيلية بصواريخها حسن المدهون، والمسؤول العسكري في كتائب عز الدين القسام ـــــ الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ـــــ فوزي أبو القرع، ما أدى إلى استشهادهما.
وتكشف الوثائق عن خطتين استخباريتين بريطانيتين تدعو إحداهما إلى اعتقال قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وثانيتهما إلى إعداد غرفة عمليات مشتركة متصلة بإسرائيل بهدف الحد من العمليات الاستشهادية.
وإضافة إلى التعاون الاستخباري لتصفية نشطاء المقاومة، تظهر الوثائق أن السلطة كانت تلحّ على المنسق الأمني في الأراضي الفلسطينية الجنرال الأميركي كيث دايتون لإقناع إسرائيل بتعزيز تسليحها للقوى الأمنية الفلسطينية لمواجهة «حماس»، وهو ما طلبه كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات في العاشر من حزيران 2006، حين قال إن «الحرس الرئاسي في أشد الحاجة إلى السلاح والذخيرة، وخصوصاً أن الوضع في غزة يجعل هذا الأمر حيوياً».
ورغم إلحاح السلطة على الحصول على الأسلحة لمواجهة المقاومة، إلا أنها قبلت مع ذلك بدولة منزوعة السلاح في نهاية المطاف. وتأكيداً من السلطة لتعاونها والتزامها بتنفيذ التعهدات الأمنية تجاه الطرف الإسرائيلي، قدمت لتل أبيب وثيقة سرية معنونة بـ«النجاحات الأمنية للسلطة الوطنية».
وتعدد الوثيقة، المؤرخة في التاسع من حزيران 2009، التي تغطي التعاون الأمني في الفترة من شباط 2008 وحتى أيار 2009، «النجاحات» بما يأتي: «اعتقال ما يقارب 3700 من منتسبي المجموعات المسلحة؛ استدعاء نحو 4700 شخص للمساءلة في جنح مختلفة، بما في ذلك الانتساب إلى مجموعات مسلحة؛ مصادرة ما يزيد على 1100 قطعة سلاح؛ الاستيلاء على ما يزيد على مليونين وخمسمئة ألف شيكل تابعة لمجموعات مسلحة، ومصادرة العديد من المواد التي تحرض على العنف».
وفي الوثيقة نفسها، يقول صائب عريقات: «لقد استثمرنا وقتاً وجهداً، وحتى قتلنا أبناء شعبنا لحفظ النظام وحكم القانون. رئيس الوزراء (سلام فياض) يقوم بكل ما هو ممكن لبناء المؤسسات. لسنا دولة بعد، لكننا الوحيدون في العالم العربي الذين يراقبون الزكاة والخطب في المساجد. نحن نجتهد للقيام بما علينا».
ويكشف القنصل العام الأميركي في القدس المحتلة، جاك واليس، في اجتماع مع مدير المركز الإعلامي في السلطة غسان الخطيب في الثامن من شباط 2009، أن مدير الأمن الوقائي السابق في غزة محمد دحلان كان قد التزم له بأن يرسل إلى الولايات المتحدة قائمة بكل الذين تفرض السلطة الفلسطينية قيوداً على سفرهم.
وفي اجتماع أمني أميركي إسرائيلي فلسطيني في آب 2008، يقول عريقات: «ليست هناك حدود للتعاون في محاربة الإرهاب». ومع ذلك لم تقتنع وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التي ردت بأن هذا «مجرد كلام».
ويذهب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبعد من ذلك، حين قال في اجتماع بتاريخ 22 حزيران 2005 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون إن «كل رصاصة توجه إلى إسرائيل هي رصاصة موجهة إلى الفلسطينيين أيضاً».
ويعترف صائب عريقات، في اجتماع مع ديفيد هيل نائب المبعوث الأميركي لعملية السلام في الـ17 من أيلول 2009، بأن السلطة الفلسطينية «اضطرت» «لقتل فلسطينيين في سبيل إقامة سلطة البندقية وسيادة القانون. وما زلنا نؤدي ما علينا من التزامات».
وكشفت وثائق «الجزيرة» أن واشنطن وتل أبيب اعترفتا بدور استخبارات السلطة «الرائع». وقالت ليفني، أثناء لقاء مع رئيس طاقم المفاوضات في السلطة الفلسطينية أحمد قريع في آذار 2008، إن الوضع في الضفة الغربية «تحت السيطرة بطريقة أفضل بسبب وجودنا هناك وبسبب أننا نعمل معاً».
وفي اجتماع بتاريخ 21 تشرين الأول 2009، قال صائب عريقات لمستشار الأمن القومي الأميركي السابق الجنرال جيمس جونز: «نحن نلتقي الإسرائيليين دورياً بشأن الأمن، بغض النظر عن السياسة»، ويضيف: «سنستمر في المحافظة على حكم القانون، سلطة واحدة وسلاح واحد. لا ألاعيب مثل سنة 2000».
وفي اجتماع مع مسؤولين فلسطينيين بتاريخ 24 حزيران 2009، امتدح دايتون «جماعة الاستخبارات»، ووصفهم بأنهم «جيدون». فـ«الإسرائيليون يحبونهم. يقولون إنهم يعطون بالقدر نفسه الذي يأخذونه منهم». ويضيف: «لكنهم يسببون بعض المشاكل للمانحين الدوليين لأنهم يعذبون الناس».
(الأخبار)

عريقات يهاجم «الجزيرة»... وإحراق صورة أمير قطر في رام الله



زادت لهجة المسؤولين الفلسطينيين حدّة حيال وثائق «الجزيرة»، واتّهم كبير المفاوضين صائب عريقات المحطّة بمحاولة إسقاط السلطة، وسط إحراق فلسطينيين صور أمير قطر، ودعوة «حماس» اللاجئين إلى الانتفاضة

اتهم كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات قناة «الجزيرة» بالتحريض على السلطة الفلسطينية بهدف إسقاطها. وقال إن «ما تقوم به الجزيرة عملية يُعدّ جزءاً رهيباً وخطيراً وإجرامياً من خطة تهدف إلى زعزعة الشعب الفلسطيني، وتفتقر إلى المهنية الإعلامية، وتهدف إلى التحريض على القيادة الفلسطينية، علماً بأننا صمدنا 18 عاماً من دون أن نقبل أياً مما عرضته إسرائيل علينا».
وتابع عريقات أن القناة القطرية «التي تُحرق الآن في تونس ولبنان ومختلف الدول العربية، تنفّذ مخططاً حقيقياً أصبح مكشوفاً كله». واتهمها «بالمشاركة بحملة تستهدف منظمة التحرير بهدف إسقاط السلطة الفلسطينية لأنها ترفض العودة إلى المفاوضات، وتصرّ على التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، وتريد من دول العالم الاعتراف بدولة فلسطين». وأضاف «إنها تدعو الفلسطينيين إلى الثورة على قيادتهم والسلطة الفلسطينية لإسقاط النظام السياسي الفلسطيني».
ودعا عريقات الشعب الفلسطيني إلى عدم الالتفات «إلى هذه الأكاذيب لأن ما تقوم به الجزيرة عار غير مسبوق في تاريخ العرب»، مهدداً بملاحقتها قضائياً «لأن الطريقة التي تعرض فيه ما سمّته الوثائق هي تحريض على القتل والاغتيال». وأكد أن «الجزيرة عمدت إلى الانتقائية في نشر ما حصلت عليه من وثائق لإظهار السلطة الفلسطينية بمظهر المتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني». وتابع «إذا كان لديهم 1600 صفحة، لا وثيقة كما يقولون، فيجب ألّا يعملوا وفق هذه الانتقائية. لو كانت هذه الوثائق، التي يدّعون أنهم سرقوها من مكتبي صحيحة، فلينشروها كما جاءت».
وفي السياق، اتهمت مصادر في السلطة الفلسطينية موظفاً سابقاً في مكتب عريقات، يعمل حالياً في ديوان أمير قطر، بسرقة «الوثائق السرية» وتسريبها. وقالت إن «الموظف كان يعمل في دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير في رام الله، وأنهيت خدماته قبل سبعة أشهر»، مضيفة أن المشتبه فيه «فرنسي الجنسية من أصل فلسطيني، وهو محام متمكن»، فيما نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر فلسطيني قوله إن لدى السلطة الفلسطينية اثنين أو ثلاثة مشتبهين بتسريب محاضر جلسات المفاوضات إلى «الجزيرة»، وجميعهم عملوا أو يعملون في وحدة دعم المفاوضات التي يرأسها عريقات. وأضافت أن هذه الوحدة أقامتها شركة «معهد آدم سميث» التي تجري أبحاثاً في مجال تطوير الحكم في أماكن عديدة في العالم.
وأشارت «هآرتس» إلى أن ما جعل هؤلاء المستشارين يتركون العمل هو عدم رضاهم عن أداء عريقات، وأن إحدى الموظفات السابقات، وهي نسرين حاج أحمد، كانت متزوجة من أحد أبناء الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
لكن وفقاً للمصدر الفلسطيني الذي تحدث إلى «هآرتس»، فإن أحد الموظفين الذين تشتبه السلطة الفلسطينية في أنه سرب الوثائق هو قريب للمفكر العربي عزمي بشارة، ويدعى نظمي بشارة.
ووسط هذه التصريحات، أحرق شبان فلسطينيون في ساحة المقاطعة في رام الله (مقر الرئيس محمود عباس)، صوراً لأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني وأعلاماً إسرائيلية رسم عليها شعار قناة «الجزيرة». وتجمع مئات الشباب حاملين صوره، ومرددين هتافات تأييد له وضد ما تبثّه «الجزيرة».
من جهة ثانية، قالت حركة «حماس» إن الموقف الأميركي الذي يقلل من شأن «الوثائق السرية» التي بثتها «الجزيرة» ينمّ عن «خداع سياسي». وأكد المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، أن الموقف الأميركي من هذه الوثائق «يهدف إلى تصفية القضايا الرئيسية لشعبنا لمصلحة الكيان الصهيوني». وأضاف أن الإدارة الأميركية «منحازة ولا تلعب دور الوسيط النزيه».
بدوره، دعا القيادي في «حماس» محمود الزهار اللاجئين الفلسطينيين إلى التعبير عن موقفهم حيال هذه «المهزلة». وقال إن «هذه دعوة حقيقية لحراك جماهيري فلسطيني وحراك عربي وإعلامي لوقف هذه المهزلة». واستجاب اللاجئون الفلسطينيون في الأردن، وقالوا إن حق العودة غير قابل للتصرف، وإن الرئيس محمود عباس وفريقه المفاوض لا يملكون تفويضا للتنازل عنه.
إسرائيلياً، استبعد نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي موشيه يعلون احتمال التوصل إلى اتفاق سلام. وقال إن «تنازلات أوسلو وتنازلات (رئيس الوزراء السابق إيهود) أولمرت و(وزيرة خارجيته تسيبي) ليفني لم تجلبنا إلى أي مكان، ولا احتمال الآن لاتفاق مع الفلسطينيين». ورأى أنه «يجب الاستمرار في الوضع الحالي حتى يعترف الفلسطينيون بإسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي».
أما الوزير السابق وعضو الكنيست من حزب «العمل» بنيامين بن اليعزر، فدعا الحكومة الإسرائيلية إلى الدخول بأسرع ما يمكن في مفاوضات وتجميد الاستيطان، محذّراً من أنه «سيكون للانقلابات في العالم العربي تأثير مباشر على إسرائيل».
(يو بي آي، أ ف ب، رويترز)