بين السماء والأرض

  • 0
  • ض
  • ض

لا ليس هذا ما جئت من أجله. دعك من المحلّ الصغير الذي تحول إلى مكان للّهو. في الداخل مكينة «ألبيبي فوت». ترتفع أصوات الأطفال حولها، وعلى باب المحل صاج وماكينة قهوة. فسحة جديدة ستستغل على أكمل وجه. ألوان زاهية!. توقف بالله عليك عن تخزين تفاصيل المشهد في مخيلتك. ولتتوقف عينك عن تسجيل الصورة تلو الصورة. لست بحاجة للمجاز. ولتتابع سيرك بحثاً عن الصورة التي جئت من أجلها الليلة، في محاولة تحمل إصراراً على ألّا تنتهي بالفشل كسابقاتها. واصل السير علّك تجد الحاج فؤاد، فربما أقنعته بأن يعطيك الصورة التي لطالما أردتها، والتي كان قد التقطها بكاميرا في هاتفه المحمول لاعتلاء سيدة عمود الكهرباء. كانت تحاول إصلاح خطها المنزلي. حدث ذلك بعد ظهر أحد الأيام حين مرّا بأحد أزقّة المخيّم. اقترب منها عارضاً المساعدة فأبت بصمت. ارتبك قليلاً، وقف مشدوهاً لرباطة جأشها وعزّة نفسها إذ ترفض المساعدة. أخرج هاتفه المحمول وسجّل اللحظة. عرضها عليك فطلبتها. اعتذر بخجل. كرّرت الطلب أكثر من مرة، وها أنت تحاول من جديد أن تثنيه عن خوفه المشروع، فبن المخيم وحده يعرف مدى إساءات بعض وسائل الإعلام للمخيم وأهله. حذّرك من أن الصورة إذا نشرت، فستكون مناسبة لمن يدّعون أن في المخيم وحده تنتشر الفوضى وينسون أن الاحتجاجات عمّت لبنان طوال الصيف، وسيزعمون أن مشكلة الكهرباء مصدرها هنا. تطرح وجهة نظرك بأن صورة سيدة في عقدها السادس على عمود كهرباء تجسّد قضية فلسطين وشعبها المعلّق بين السماء والأرض. يقطع عليك الطريق «خايف ما تستعملوها غلط». عليك أن تجده. تحاول الاتصال هاتفياً، فيأتي صوت المجيب الآلي ليخبرك أن الهاتف مغلق. تعرف أن صديقك في مكان لا إرسال فيه. تطرق باب منزله فلا تجد أحداً. تواصل السير. تنتبه لعيون شاخصة إلى جهاز التلفاز. أيد ترتفع وتهبط، رؤوس تتمايل مع تنقل الكرة. هل فريقك الذي يلعب؟ وهل ما زلت تسمّيه فريقك؟ منذ متى لم تتابع مباراة كرة قدم؟ منذ فرّقتك الحياة عن أصدقاء الطفولة. وهذا الذي تسمّيه فريقك، ألم تختره نكاية بالأصدقاء، فاخترت غريم فريقهم الذي تجتمع القلوب عليه، حتى إذا ربح فريقك وجدت أحدهم لتغيظه، وإذا خسرت استطعت الهرب منهم لكونك واحداً؟ على كل حال، ها هو الحاج فؤاد، يجلس منكبّاً على طاولة الشطرنج بقرب دكانه. وما إن تصل حتى تسمع صوته يرتفع بفرح «كش ملك». تلقي عليه التهنئة بدل التحية. يراجع مع خصمه بعض التفاصيل التي حققت الانتصار. تستغلّ الفرصة فالفرحة ستساعدك «بدنا الصورة يا حاج وبوعدك ما رح نستعملها غلط». تمتدّ يده إلى جيبه ويخرج الهاتف المحمول. فجأة يتدخل أحد الحاضرين (وكان شاهداً على محاولة سابقة) ليعيدك إلى نقطة الصفر «بلاها يا حاج، رح يستعملوا أبو أبوها غلط». لكننا لم نستعملها غلط.

  • (فؤاد الحاج)

    (فؤاد الحاج)

0 تعليق

التعليقات