باريس| أمضت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال إليو ـــــ ماري «ساعة ساخنة» أمام اللجنة البرلمانية التي استدعتها لشرح «الموقف الرسمي الفرنسي في المسألة التونسية»، وخصوصاً اقتراحها في جلسة برلمانية «تقديم خبرة فرنسا في المجال الأمني» قبل هروب بن علي، وهو ما استثار العديد من المنظمات الإنسانية وأحزاب المعارضة وعدداً لا بأس به من سياسيي حزبها الحاكم.
وبرّرت الوزيرة عرضها بأنه للحد من «الإصابات بالأعيرة النارية»، وأنه كان موجهاً عموماً إلى القوات الأمنية كي لا يتكرر وقوع الضحايا، إلّا أنها كشفت في نهاية مداخلتها عمّا يهمس به عدد متزايد من المراقبين، وهو أنه «لم يكن أحد يتصور هذا التغيير الجذري».
بالطبع تطرح الحالة التونسية عدداً من الأسئلة الشديدة التعقيد على السلطات الفرنسية، وذلك لأسباب عديدة، منها الرابط التاريخي بين باريس والمغرب العربي ووجود جالية مغاربية كبيرة جداً في البلاد، إلى جانب وجود أعداد كبيرة جداً من الفرنسيين من أصول مغاربية. عدد من المراقبين يطرح بقوة مسألة «التدخل الإنساني»، التي روّج لها الوزير السابق برنار كوشنير، وجعلها رأس حربة التدخل في شؤون الدول الأخرى، من العراق إلى كوسوفو مروراً بالبوسنة، وصولاً إلى ساحل العاج. وعاد الحديث اليوم عن الكيل بمكيالين، مع الإشارة إلى مواقف فرنسا والدول الغربية في ما يتعلق ببورما وكوريا الشمالية وإيران، ولم يتردّد أحد المعلقين من التساؤل عما إذا كان ممكناً للوزيرة إليو ـــــ ماري بعد الانتخابات الإيرانية التي شهدت عنفاً ضد المتظاهرين اقتراح تقديم مساعدة الخبرات الفرنسية إلى الشرطة الإيرانية؟
لا تغيب عن المواطن الفرنسي المصالح الاقتصادية التي تربط بين المستثمرين الفرنسيين ونظام بن علي، الذي كان «ضامناً لاستثماراتهم»، وهو ما كان يدفع المسؤولين الفرنسيين إلى «المزايدة في إظهار الود والصداقة للديكتاتور».
وبينما تدور حلقة صور للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى جانب بن علي وكارلا بروني على شبكة إنترنت، عاد ساركوزي إلى الواجهة ليشير إلى صعوبة «التوفيق بين مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول ومبدأ دعم الحريات»، إلا أن هذا لم يمنع عدداً من المراقبين من الإشارة إلى أن «باريس فوّتت عدداً من الفرص لدعم الشعوب المنتفضة سعياً وراء حريتها»، والإشارة إلى سقوط جدار برلين وتردد باريس في دعم الوحدة الألمانية، إلّا أن الجميع يتفق على أن «الخوف من الإسلاميين»، إلى جانب دعم المصالح الاقتصادية، يقفان وراء دعم نظام ديكتاتوري لم يتوقف عدد من الصحف الفرنسية عن انتقاده، ودفعت ثمن ذلك «إتلاف أعدادها في مطار تونس»، إذ إنّ الديكتاتور بن علي استطاع «وقف الزحف الإسلامي نحو المجتمع التونسي وحصره» بعد سجن ما يزيد على سبعين ألفاً خلال سني حكمه. وزير الدفاع ألان جوبيه قال إن باريس «أساءت تقدير نسبة سخط الرأي العام التونسي تجاه النظام البوليسي الديكتاتوري». السؤال الذي يطرحه المواطن الفرنسي العاشق للحريات هو «هل هناك ميزان لقياس نسبة الديكتاتورية وكبت الحريات، أم الحرية مبدأ واحد لا يتجزأ؟»، كما تنص عليه مقدمة الدستور الفرنسي، التي وردت في نفس إعلان حقوق الإنسان الصادر عن الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩؟