لا يزال الشارع التونسي يعيش على وقع ارتدادات انتفاضة الخبز التي أطاحت الرئيس زين العابدين. وتواجه القيادة التي تسلمت السلطة، وهي من أركان نظام بن علي، تحديات تأليف حكومة ائتلاف وإجراء انتخابات وإعادة ضبط الأمن المنفلت وسط أعمال عنف تقوم بها جماعات مسلّحة، ذكر البعض أنها من تدبير موالين لبن علي.وأعلن المجلس الدستوري أن الانتخابات الرئاسية ستجري خلال 60 يوماً. وقال إنه بموجب الدستور، فإن رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع ينبغي أن يتولى رئاسة البلاد مؤقتاً. وكان رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي قد تولى مقاليد الحكم مؤقتاً، بعدما فرّ الرئيس بن علي إلى السعودية.
وقال رئيس المجلس الدستوري، فتحي عبد الناظر، إن المجلس يعلن شغور مجلس الرئاسة بصفة نهائية وإنه ينبغي الاحتكام إلى المادة 57 من الدستور التي تنص على أنه ينبغي أن يشغل رئيس البرلمان منصب الرئيس مؤقتاً وأن يدعو لانتخابات خلال فترة تراوح بين 45 يوماً و60 يوماً. وقد أدى المبزع بعدها اليمين الدستورية رئيساً مؤقتاً.
قال رئيس الوزراء التونسي، محمد الغنوشي، في تصريح أذاعه التلفزيون الحكومي، إن التشكيل الحكومي الجديد سيعلن اليوم الاثنين.
وأضاف في بيان مقتضب إن إعلان تأليف الحكومة سيفتح «صفحة جديدة» في تاريخ تونس. وقال الغنوشي «لن نتسامح مع هؤلاء الذين يريدون إعادة استعبادنا وتركيعنا واستعباد الشعب التونسي، ومع كل من يعتدي على الشعب التونسي أياً كان».
وكان الغنوشي التقى ممثلي الأحزاب السياسية في محاولة لتأليف حكومة ائتلافية. ومن بين من وجهت إليهم الدعوة للاجتماع مع الغنوشي، زعيم الحزب الديموقراطي التقدمي، نجيب الشابي، وهو محام ينظر إليه على أنه أكثر الشخصيات الجديرة بالثقة في المعارضة.
من جهته، أعلن زعيم حركة النهضة الإسلامية التونسية المحظورة، راشد الغنوشي، أنه سيعود خلال الأيام القليلة المقبلة من المنفى في لندن. وقال إن «الأسباب التي أجبرته على مغادرة تونس لم تعد موجودة الآن، والدكتاتورية سقطت ولم يعد هناك شيء يمنعه من العودة إلى بلاده بعد 22 عاماً في المنفى». وحظرت السلطات التونسية حركة النهضة في أوائل التسعينيات بعد اتهامها بالتآمر لإطاحة النظام.
على صعيد ضبط الأوضاع الأمنية، أكّد مصدر رسمي اعتقال المدير العام السابق للأمن الرئاسي علي السرياتي ومجموعة من مساعديه. وقال إن «النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية بتونس أذنت بفتح بحث تحقيقي ضدّ المدير العام السابق للأمن الرئاسي ومجموعة من مساعديه». وأضاف أن النيابة العامة وجهت تهمة «التآمر على أمن الدولة الداخلي وارتكاب الاعتداء المقصود منه حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي، وذلك عملاً بأحكام المواد 68 و69 و72 من القانون الجزائي».
وكانت أنباء قد تحدثت عن اعتقال السرياتي وعدد من مساعديه في مدينة مدنين أثناء محاولته مغادرة تونس باتجاه ليبيا.
من جهة ثانية، وقع اشتباك مسلح فجراً بين الجيش التونسي ومسلحين مجهولين، ما أدى إلى سقوط 6 قتلى، في بلدة الوردانين في محافظة المنستير شرقيّ العاصمة.
ووصلت 3 سيارات على متنها عدد من المسلحين المجهولين إلى أحد أحياء بلدة الوردانين، وقدم المسلحون أنفسهم للجان الحماية الشعبية على أنهم من أفراد الجيش. وعندما طُلب منهم إظهار هوياتهم فتحوا النيران عشوائياً، ما أدى إلى سقوط 3 قتلى فوراً بالإضافة إلى العديد من الجرحى ثم قفزوا في سياراتهم. وتدخل الجيش وطارد المسلحين المجهولين واشتبك معهم فسقط 3 قتلى من المسلحين عرف منهم المدعو «بديع»، وهو أحد أعوان الحرس الوطني التونسي سابقاً.
وأعلنت الشرطة أن شخصين يشتبه في ضلوعهما في حادث إطلاق للنار خارج مقر الحزب الديموقراطي التقدمي المعارض وسط العاصمة يحملان جوازي سفر سويديين.
وفي اشتباك آخر، قتل الجيش مسلحين قرب المصرف المركزي في وسط العاصمة التونسية، فيما جابت مجموعات من المسلحين الشوارع التونسية ليلاً بالسيارات وقامت بنشر الرعب بين السكان من خلال إطلاق النيران.
هذا واعتقلت قوة من الجيش قيس بن علي، ابن شقيق الرئيس بعد اشتباك مسلح في بلدة مساكن الساحلية، بعد اشتباك بين حراس قيس والجيش. فيما أحرق مواطنون سيارة قيس وسط الزغاريد. وبحسب ما أعلن مصدر أمني فرنسي، فإن عدداً من أقارب بن علي لجأوا إلى فندق في سين إي مارن قرب باريس.
من جهة ثانية، أوقف الجيش الوطني 3 سيارات أجرة بشارع تونس العاصمة تحمل شحنة كبيرة من الأسلحة ولديها قائمة تضم 50 اسماً لاغتيالهم من رموز المعارضة والمجتمع المدني.
وفي تطور دراماتيكي أيضاً، قُتل عشرات من السجناء أول من أمس خلال عملية فرار جماعي من سجن وحريق شب في سجن آخر. وقال التلفزيون التونسي الرسمي الذي غيّر اليوم اسمه من «تونس 7» إلى «التلفزيون التونسي الوطني» إن 42 سجيناً قُتلوا حرقاً أو اختناقاً جراء حريق هائل شبّ داخل السجن المدني في مدينة المنستير.
وذكرت مصادر حقوقية أن عملية هرب جماعي جرت أيضاً في سجن المهدية. كذلك جرت عملية مماثلة في مدينة القصرين، حيث تمكن خلالها المئات من المساجين من الفرار، بينما تمكن العشرات من الفرار من السجون في تونس ومحافظة نابل.
هذا وأعلنت منظمة مراسلون بلا حدود أن مصور فرنسي، لوكاس مبروك دوليجا (32 عاماً)، الذي كان يغطي أخبار الاحتجاجات أصيب في الرأس يوم الجمعة الماضي من جراء إطلاق شرطي أسطوانة غاز مسيل للدموع على مقربة منه. وذكرت أنباء أن الغاز المستخدم صناعة إسرائيلية.
(أ ف ب، رويترز، الأخبار، يو بي آي)