قبل ساعات من انطلاق استفتاء تحديد مصير جنوب السودان، كان الشاب الجنوبي استيفن يؤكد أنه حسم خياره بالتصويت لـ«الاستقلال»، متوقفاً في حديثه عند أغنية ذائعة الصيت للفنان الجنوب أفريقي دوبي لاكي بعنوان «لا أحد يمكن أن يوقف الريغي (موسيقى أفريقية)»، ليشير إلى أنه «هذه هي الحال بالنسبة إلينا (الجنوبيين) لا أحد يمكنه إيقاف الاستقلال».
استيفن، الذي اختار الانتقال من الخرطوم إلى جوبا، سيكون حتماً من بين قرابة مليونين ونصف مليون جنوبي سيمنحون بأصواتهم شرعية للاستفتاء والانفصال في آن واحد، من خلال تحقيقهم النصاب القانوني لإقراره، بعدما نص القانون على أن الاستفتاء «يعدّ أنه قد تمّ قانونياً إذا اقترع ما لا يقل عن 58 في المئة من عدد الناخبين المسجلين»، فيما يجب حصول أي من خياري الانفصال أو تأكيد الوحدة، «على الغالبية البسيطة (50%+1) من أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم» لإقراره.
ووفقاً لمفوضية استفتاء الجنوب، بلغ عدد الناخبين المسجلين قرابة 3.930 ملايين ناخب، منهم 3.754 ملايين منهم سجلوا في ولايات الجنوب العشر.
ويتبين أن عدد الجنوبيين المطلوب تصويتهم للاعتراف بنتيجة الاستفتاء يقدر بمليونين وثلاثمئة وثمانية وخمسين ألف شخص، فيما يكفي تصويت مليون ومئة وثمانين ألفاً لخيار الانفصال، حتى تصبح ولادة الدولة الجنوبية أمراً نافذاً.
عدد يمكن وصفه بالضئيل، إذا ما قيس على عدد سكان السودان ككل أو على عدد سكان الجنوب. فمن أصل 39 مليون سوداني، يكفي أن يصوت قرابة 15 في المئة من سكان الجنوب البالغ عددهم ثمانية ملايين، وثلاثة في المئة من عدد سكان السودان ككل لخيار الانفصال، حتى يُحسم خروج الإقليم من رحم الدولة السودانية.
الجنوبيون المؤيدون للانفصال يخالفون رأي من يقول إنّ «من الظلم أن يحدد هذا العدد المنخفض مصير وحدة السودان». ورأى استيفن أن من يتساءلون عن ضآلة النسبة المطلوبة عليهم أن يتساءلوا في «عملية حسابية أيضاً لماذا مات أكثر من مليونين ونصف مليون مواطن خلال الحرب الأهلية».
والوصول إلى تفاهم على النسب المطلوبة للاستفتاء أتى بعد معركة سياسية خاضتها الحركة الشعبية لتحرير السودان مع حزب المؤتمر الوطني، أجهضت من خلالها محاولته فرض ضرورة مشاركة ثلثي الناخبين المسجلين المعتمدين للاستفتاء حتى يعد قانونياً، فضلاً عن رفض مطالبته بأن تُحسم الوحدة أو الانفصال من خلال غالبية كبيرة، تمثل 75 في المئة من مجمل المسجلين. بالإضافة إلى ذلك، عرقلت الحركة الشعبية لتحرير السودان عملية تصويت الجنوبيين «غير الأصليين»، من خلال نجاحها في إقرار حصر إمكان تصويتهم في الجنوب فقط.
وأقر قانون الاستفتاء تقسيم الناخبين الجنوبيين إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى تنتمي إلى إحدى المجموعات الأصلية الإثنية المستوطنة في الجنوب قبل الأول من كانون الثاني 1956، مثل أبناء قبيلة الدينكا، ومُنحت حق التصويت في جميع مراكز الجنوب، أو أي من المواقع الأخرى، في إشارة إلى الشمال الذي لم يتجاوز عدد المسجلين فيه 120 ألفاً، أو في دول المهجر الثماني المتمثلة في كينيا وأستراليا وكندا وإثيوبيا ومصر والولايات المتحدة وأوغندا وبريطانيا، التي اقتصر التسجيل فيها على 60 ألفاً. والفئة الثانية تخص الناخب الجنوبي الذي ينحدر بعض أسلافه من إحدى المجموعات الإثنية الأصلية، لكنه لم يولد أو يقيم إقامة دائمة في الجنوب. وحُصر حق هذه الفئة في التصويت داخل المراكز المنتشرة في الجنوب فقط. أما الذين ينتمون إلى الفئة الثالثة من الناخبين، الذين لا ينتمون إلى إحدى المجموعات الأصلية الإثنية، ويقيمون في الجنوب، فسيضطرون إلى التصويت داخل الإقليم فقط تحت أنظار الحركة الشعبية لتحرير السودان.