جوبا ــ الأخبار آمال كثيرة رسمها الجنوبيون طوال سنوات الحرب مع الشمال، وهم يتحيّنون موعد التاسع من كانون الثاني لتحقيقها. بعضهم لم يستطع انتظار بزوغ فجر «الحرية» واختار أن يمضي ليلته الأخيرة ضمن إطار دولة السودان على مقربة من مراكز الاقتراع، ليكون أول المصوّتين والمتخلصين من عبء الشمال.

وبدأ الجنوبيون بالاصطفاف قبل خمس ساعات من فتح صناديق الاقتراع، ما أدى إلى حصول ازدحام كبير أمام المراكز، فيما ترددت كلمة «الحرية» أمس مراراً على ألسنة الجنوبيين الذين وقفوا ينتظرون بدون ملل لساعات طويلة قبل مجيء دورهم، بعدما تيقّنوا أنهم تخطّوا عقبات الاستفتاء جمعاء، ولم يعد يفصلهم عن تحقيق دولتهم الجديدة سوى وضع أصواتهم في صناديق الاقتراع. وعلى أنغام الموسيقى، رقص الجنوبيون لساعات، وسط انتشار أمني كثيف لعناصر الشرطة بهدف تأمين الاستفتاء.
وفي أحد المراكز، بينما كانت بعض النسوة يبكين فرحاً لاقتراب تحقيق «الحلم»، قال المواطن الجنوبي منوير، لـ«الأخبار»، «هذا الحدث تاريخي لشعب جنوب السودان. نحن بانتظار هذا اليوم منذ سنوات بعدما منحت اتفاقية السلام، المواطن الجنوبي الحق قي تقرير مصيره وفي كتابة تاريخ جنوب السودان». وبعدما أكد تصويته لمصلحة «استقلال» جنوب السودان، على غرار أغلبية الجنوبيين، قال منوير «إني متفائل بولادة دولتنا الجديدة. وأرى المستقبل في الأفق».
أما الشاب أبراهام فقال، والفرحة تغمره، «سأصوّت لمصلحة استقلال الجنوب، لأننا ظللنا نعاني مدة خمسين عاماً من الوحدة مع الشمال». وأضاف «في ظل الوحدة عانينا من التهميش الاقتصادي والاجتماعي. أما اليوم فنحن نتطلع إلى الحرية». وأضاف «اليوم ستبدأ حريتنا وستكون تصاعدية».
بدورها، لم تتردّد عزيزة، بعد خروجها من مركز التصويت، في القول «هذا هو يوم الحرية. اليوم سيتعلم أبناؤنا، لن نعاني بعد اليوم من غياب الخدمات كما عانينا طوال السنوات الماضية». وأضافت «أبناؤنا سيدخلون المدارس، سنرى التنمية في القريب العاجل، والمستقبل أمامنا اليوم، فلا تهميش بعد اليوم. سنرى جنوبنا في أمان، وسنتقدم بعدما تخلّصنا من شمال السودان، الذي كان يحدّ من حريتنا ومن ثقافتنا كمواطنين في إطار الدولة الواحدة».
وفيما كانت عمليات التصويت تتواصل لتدفع مفوضية استفتاء جنوب السودان لتمديد الاقتراع ساعة إضافية، بهدف السماح للمتجمهرين بالإدلاء بأصواتهم، كان طيف مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق، والضحايا الذين سقطوا خلال الحرب الأهلية، حاضراً.
وفي السياق، قال جورجي لـ«الأخبار»، بعدما أدلى بصوته، «اليوم يوم الفداء. أجدادنا وآباؤنا ضحوا بدمائهم من أجل نيل شعب جنوب السودان حريته في مثل هذا اليوم». وأضاف «اليوم بداية الحلم التاريخي لقائدنا العزيز جون قرنق الذي منح بتوقيعه اتفاقية السلام الشامل في عام 2005 الجنوبيين فرصة تحديد مصيرهم».
وبدا جورجي حاسماً في استثنائية الدولة الجنوبية المستقلة، قائلاً «أتوقع دولة جنوبية قوية اقتصادياً، ومتعددة الثقافات لا تميز بين أبنائها كما يحدث في الشمال». وأضاف «أرى أن دولة جنوب السودان ستكون نموذجاً يحتذى للحضارات المتعددة الثقافات، والجنوب سيكون خير مثال لميلاد دولة جديدة ديموقراطية وحديثة، في العالم الثالث».
والفرحة التي عمت المناطق الجنوبية انسحبت كذلك على مراكز التصويت خارج السودان، وتحديداً مصر وكينيا (أ ف ب، رويترز). ووسط أجواء من الفرح، أدلى مئات السودانيين الجنوبيين في القاهرة بأصواتهم. وعلى وقع إيقاعات مرتجلة على دلو بلاستيكي، عبّر رجال ونساء عن فرحهم بالرقص والغناء أمام مكتب للاقتراع في حي المعادي الجديدة، جنوب القاهرة. وقال لي أوتوغو «إنه يوم تاريخي، سنتمكن أخيراً من اتخاذ القرارات بأنفسنا ووضع حد للكارثة المستمرة منذ 50 عاماً». وعمد آخر يلفّ ذراعه بعلم للجنوب، الى بثّ الحماسة في الحشود، منادياً «حرية، حرية».
من جهتها، أكدت ديانا ويلسون وانيلوكون، وهي ربة منزل في الأربعين من العمر، أنها وصلت لتدلي بصوتها عند الساعة السادسة صباحاً، وقالت «إنه يوم سعيد، كلنا هنا من أجل مستقبل جديد. ما إن يعلن الاستقلال حتى أعود إلى البلاد».
من جهته، أكد إيساك غاتلوياك، الذي يمارس مهنة التدريس، إن التاسع من كانون الثاني 2011 هو يوم أمل بالنسبة الى الجنوبيين، قائلاً «لقد عانينا طويلاً، إنه يوم أمل».
أما هيلين موريس، فأعربت عن رغبتها في رؤية علاقات ودية بين الشمال والجنوب، قائلةً «لا نريد الحرب مع الشمال. نريد فقط أن ندير شؤوننا بأنفسنا».
وفي كينيا، وقف الناخبون وهم يرتدون ثياب العيد، وينتظرون بصبر تحت حرّ الشمس للإدلاء بأصواتهم في مدخل مباني «نادي السكك الحديدية»، وهو ناد رياضي في وسط المدينة تحول إلى مركز اقتراع. وأوضحت جودي جادن، التي تعيش في نيروبي منذ 18 عاماً، «إننا متحمّسون كثيراً. إنه يوم عظيم بالنسبة إلينا». وأضافت «وصلت مع أصدقائي في الساعة الخامسة صباحاً لأننا نريد التصويت مبكراً جداً». وأضافت المرأة، وهي تعرب عن القلق من تدافع عشرات الشبان أمام الباب الصغير لمكتب الاقتراع، «إذا لم نكن منضبطين في يوم مهم كهذا، فليس هذا مؤشر حسن لمستقبل البلاد».
بدوره، قال بيتر غوني (25 سنة)، صاحب الشعر الطويل والعيون البراقة، «إننا ماضون نحو الانفصال، هذا أكيد، لا أحد هنا سيصوّت للوحدة».
وفي إثيوبيا، رقص ديفيد فرحاً أمام مركز للاقتراع في أديس أبابا. وقال الرجل البالغ من العمر 50 عاماً، بينما كان صوت موسيقى بوب مارلي يتعالى من مكبرات الصوت أمام مركز الاقتراع، «اليوم يوم مولدي ويوم مولد جنوب السودان. عشت بعيداً 35 عاماً وكنت أشعر بأني طائر لا يستطيع أن يهبط إلى الأرض».
وقال لي إيفاريستو، البالغ من العمر 48 عاماً وهو من أهالي جوبا، «اليوم يوم تاريخي... يوم سيضع نهاية لمأساتنا». وأضاف «أنا مستعد للعودة في أقرب وقت ممكن».