«ثورة ضد التمييز»، هذا ما أراده المركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة من مبادرته المهمة في ملاحقة الشركات والهيئات العامة والخاصة التي تمارس تمييزاً ضد الأقباط. مدير المركز، المحامي ناصر أمين، قال إنه لا بد من حشد المجتمع لمكافحة التمييز ضد الأقباط، وهي ظاهرة ارتبطت بانفلات الدولة وإهمالها، وانتشرت فيها مدارس لا تقبل طلاباً من الأقباط، وكذلك مطاعم وشركات لا توظف غير المسلمين
، وهو ما يخالف المادة الأولى من الدستور التي تنص على أن مصر «دولة نظامها ديموقراطي يقوم على أساس المواطنة».
المبادرة تطارد المدارس والشركات التي تمارس التمييز وترصدها أولاً ثم تقدم بلاغات ضدها أمام النائب العام، بتهمة ارتكاب «جريمة التمييز» التي تمارس على أنها «طبيعية» و«عادية» من حق صاحب العمل أو المدرسة، وهو حرّ أن يختار الطالب أو الموظف حسب الدين لا الكفاءة. هذه الممارسات جارحة الآن، أو على حدّ توصيف ناصر أمين، «هي أقوى أسباب تعميق الكراهية والاحتقان بين المسلمين والمسيحيين».
التمييز هو الملف المفتوح الآن، وتحاول مؤسسات الدولة إغلاقه، بالتركيز على تفاصيل حادث تفجير كنيسة القديسين، وصنع إثارة خاصة بملاحقة الجناة، حيث تسرّبت معلومات من جهات متضاربة، أولها عن العثور بين أشلاء الانفجار على رأس له ملامح أفغانية أو باكستانية، ومعلومات أخرى عن الاشتباه في أحد المصابين في الحادث، وإجراء تحريات عن شبكة علاقاته. وهناك أخيراً معلومات تسرّبت من حرس الكنيسة تعيد إلى السطح رواية سيارات خرجت منها، أو من بينها، المتفجرات.
التفاصيل ليست مثيرة بالنسبة إلى جمهور واسع، لكنها بالنسبة إلى النظام قشّة خلاص، تضع الأزمة كلها في سلة جنائية، وتعدها بمتعة الانتصار على «رأس الأفعى» وقطعها.
الجاذبية بعيدة عن الحقوق الغائبة، عن مقدمات لا بد أن تنتهي إلى مثل هذه النهاية المدوية. لماذا يعاني الأقباط؟ لماذا يحرمون من حقوقهم السياسية والدينية والاجتماعية؟ أسئلة يلتقي عندها غضب الأقباط من تفجير الإسكندرية، ووعي مسيّس لنشطاء ومطالبين بالإصلاح. لقاء تحارب أجهزة الأمن حدوثه بوسائلها وردّ فعلها الكلاسيكي، حيث تلحّ على أن التفجير ليس طائفياً بل إرهابيّ، وهو ما عززته شائعات انتشرت عن قنابل في مراكز تجارية في القاهرة والإسكندرية.
كذلك تمنع الأجهزة الأمنية التظاهرات المشتركة، إلى درجة أنها لم تسمح بالاشتراك في تظاهرة أمام كنيسة العذراء بالمعصرة (شبرا) إلا بعد الاطلاع على الهويات الشخصية، سامحة للمسيحيين فقط بالتجمّع.
البابا شارك في إعطاء صبغة بعيدة عن التسييس لتظاهرات الأقباط الغاضبة، واتهم قوى سياسية بالتسرّب إلى التظاهرات ورفع شعارات تجاوزت الأدب مع النظام.
البابا شكر الرئيس، متصوّراً أن يقوم بترميم ما تحطّم بين الأقباط والنظام.
النظام يحكم حركته كلها بكلاسيكية مستهلكة، تعيد إنتاج برنامج التنوير في موجة الإرهاب الثالثة في التسعينيات، وإحياء كتب التنوير واستدعاء المثقفين لتغطية الحرب بين الشرطة والجماعات بأقنعة ثقافية رقيقة. هكذا قابل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الداعية التلفزيوني صاحب الشعبية الواسعة عمرو خالد، في لقاء وصف بأنه «تنسيقي» بشأن تطوير الخطاب الديني لاستعادة الوحدة الوطنية، وذلك من خلال لجنة تضم شخصيات دينية واجتماعية وإعلامية اسمها «بيت العائلة المصرية».
الخطوات التعبوية هي أسرع ما يتحرك في جسم الدولة، بينما تتأخر الخطوات الأخرى الحاسمة، بداية من محاسبة المسؤولين، حتى تصحيح الأخطاء وترميم الشروخ العنيفة في النظام.
النتيجة الأسرع هي «غسل الأيدي» من الجريمة، والمقصود هنا جريمة التمييز ضد الأقباط. الجميع يتبرّأ ويعلن ما يعني عادة عدم الرغبة في الوصول إلى نقطة القتال الأهلي.
الإخوان المسلمون دعوا إلى تصدّر الدروع البشرية الحامية للكنائس، والسلفيون، حلفاء الدولة وجناحها في تحجيم الأقباط، قالوا في بيان إن الحادث يفتح باب الشر، كذلك أكدت الجماعة الإسلامية إدانة الجريمة.
لم يتكلم طرف من هؤلاء عن حق الأقباط، لأن خطابهم عاطفي، يتعامل على أن الأقباط ضيوف يستحقون المعاملة الطيبة، لا شركاء في دولة واحدة. خطاب الجيرة الطيبة يهدف إلى البعد عن نقطة الاقتتال، وفقط، لا يهدف إلى إعادة بناء العلاقة بين المجتمع والدولة على أساس المساواة لا توزيع الظلم والعدل، حسب كوتا تراها الدولة وحدها.
ورغم إحساس الدولة بالارتباك، إلا أن أمنها لا يزال يضرب التظاهرات بالعنف، ويستحدث أساليب مدهشة، بينها رمي المتظاهرين بالحجارة، وهو أسلوب كانت بدايته في أحداث العمرانية (تشرين الثاني ٢٠١٠) عندما تصادمت مجموعات قبطية مع قوات الأمن، وتكرر في تظاهرات ما بعد تفجير كنيسة القديسين.