محمد دحلان اعتقل، لم يعتقل. هذا كان عنوان الحديث الفلسطيني ليل أول من أمس، إذ بثّت الإذاعة الإسرائيلية خبراً مفاده أن القيادي «الفتحاوي» اعتقل عند عودته إلى الضفة الغربية يوم الأحد الماضي. رواية الاعتقال ممكنة التصديق، ولا سيما أنه سبق للأجهزة الأمنية في الضفة أن اعتقلت مجموعة من المقربين من دحلان، وفي مقدمهم الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة رشيد أبو شباك، الذي اعتقل قبل فترة على جسر الملك حسين الواصل بين الضفة الغربية والأردن بأمر من الأنتربول بتهمة سرقة عشرة ملايين دولار حين كان في منصبه قبل سيطرة «حماس» على القطاع.
غير أن خبر اعتقال محمد دحلان لم يصمد طويلاً، إذ خرجت مصادر فلسطينية لتنفي الأمر، مؤكّدة أن دحلان مثل أول من أمس أمام لجنة التحقيق بتهمة التآمر على الرئيس عباس ومحاولة الانقلاب عليه.
نفي الاعتقالات يثير عدداً من التساؤلات حول مغزى التحقيق، وخصوصاً أن دحلان من المقرر أن يغادر الضفة الغربية إلى عمّان خلال ساعات، بناء على طلب اللجنة، إلى حين انتهاء التحقيقات، بحسب ما ذكرت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي. طلب يشير إلى الغاية من التحقيق وفتح الملف برمته، ألا وهو الإبعاد عن الأراضي الفلسطينية، بحسب ما قالت مصادر متابعة لـ«الأخبار».
المصادر وضعت المسألة برمتها تحت عنوان «وراثة الزعامة الفتحاوية»، ومحاولة أبو مازن إخراج دحلان من الصورة إذا أراد ترتيب الوضع الداخلي في الحركة، ولا سيما أن أبو فادي يعدّ «الرجل الأقوى» في «فتح»، فهو لا يزال ممسكاً بالفصيل في قطاع غزّة. فرغم ضعف «فتح» في القطاع، إلا أن ولاء أفرادها هو لدحلان وحده، لا لزكريا الآغا، كما تحاول السلطة الإيحاء. وإضافة إلى غزة، تشير المصادر إلى أن دحلان بدأ يتمدّد بقوة في الضفة الغربية، معتمداً على الأموال الشهرية التي يحصل عليها من الإدارة الأميركية، والتي تؤكد المصادر أنها تفوق 150 ألف دولار شهرياً.
وبما أن الأموال هي العنصر الأساسي حالياً في عملية «الولاء الفتحاوي»، بعد تحول الحركة إلى حزب سلطة وتنفيعات، فإن نفوذ دحلان بدأ يقلق أبو مازن، ولا سيما أن الرجل أيضاً لا يزال ممسكاً بتلابيب حركة الشبيبة الفتحاوية، التي تحظى بوجود واسع في الشارع، سواء في الضفة الغربية أو في القطاع.
على هذا الأساس كان حراك أبو مازن لإضعاف دحلان. وتشير المصادر إلى أن الرئيس الفلسطيني يتحسب لمسألة وراثة الزعامة «الفتحاوية»، وهو يعدّ لترفيع الجماعة المقرّبة منه لهذه الغاية، ولا سيما رئيس الدائرة السياسيّة في منظمة التحرير صائب عريقات، الذي بات بمثابة المرشد لأبو مازن.
غير أن المصادر تستبعد أن يتمكّن أبو مازن من «قصقصة أجنحة» دحلان على المدى البعيد، ولا سيما أن الرجل، على عكس باقي القيادات الفتحاوية، يحظى بوجود في الشارع وحتى داخل الحركة، من الممكن أن يحرّكه في مواجهة عبّاس، على غرار ما فعله مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي قاد دحلان تظاهرات «شبيبة فتح» ضده أمام مقرّ المقاطعة على قاعدة «نختلف مع أبو عمار، لكن لا نختلف عليه».
مثل هذا الأمر لم يعد في إطار التكهن أو التحليل بعدما هدد مقربون من دحلان بأنهم سيضطرون إلى الدفاع عنه بشتى السبل «في ظل ما يتعرض له من مؤامرة»، ملمحين إلى امتلاكهم وثائق من شأنها أن «تقلب الطاولة رأساً على عقب».
الأمر نفسه من الممكن أن يقوم به دحلان من داخل الحركة، إذ إن تياره يضم أسماء كبيرة في «فتح». وتستدل المصادر على ذلك باستقالة نائب رئيس اللجنة المركزية، أمين التنظيم في الحركة، أبو ماهر غنيم، من رئاسة لجنة التحقيق مع أبو فادي. أبو ماهر، الذي يرى العديدون أنه بات من تيار دحلان، برّر استقالته بأنها جاءت احتجاجاً على «تسريب معلومات عنها للإعلام»، غير أن مصادر أخرى تؤكّد أن غنيم لم يكن من الأساس في وارد فتح التحقيق، وكان يسعى إلى الجمع بين عباس ودحلان.
اللجنة اليوم باتت تضمّ أعضاء اللجنة المركزية: عزام الأحمد (رئيساً)، صخر بسيسو وعثمان أبو غربية. وتشير المصادر إلى أن تكليف الأحمد بهذه المهمة يحمل دلالات ذات مغزى، ولا سيما أن العلاقة بين دحلان والأحمد أخذت طابعاً تنافسيّاً منذ ترشّح الشخصين لرئاسة الكتلة البرلمانية لحركة «فتح». وعلى هذا الأساس ترى أن التحقيق، في حال استمراره، سيكون استفزازيّاً.
ما تسرّب عن الجلسة الأولى للتحقيق، التي استمرت ساعتين، يشير إلى ذلك، وخصوصاً أن دحلان جوبه بأحد معدّي التقارير عنه، بحسب ما نشرته وكالة «سما» الإخبارية. تقارير تتضمن ملفاً يتعلق بتأليف دحلان خليتين مسلّحتين في شمال الضفة الغربية وملفاً آخر بشأن تلقّي 20 شخصاً في مكتب الرئيس الفلسطيني رواتب من دحلان، الى جانب رواتبهم العادية من السلطة.
الملفات تتضمّن أيضاً تسجيلاً صوتيّاً نقل فحواه موقع «عرب 48». التسجيل، الذي قال مصدر فلسطيني للموقع إن عباس استمع إليه، هو عبارة عن حديث لدحلان في أحد الاجتماعات مع بعض الموالين له. الحديث تضمّن تحريضاً ضد عباس ونهجه السياسي، منتقداً ضعفه وفشله في التوصل إلى تسوية مع إسرائيل، ووصفه بأنه لا يصلح لقيادة الشعب الفلسطيني والتربع على قمة هرم السلطة. واحتدّ دحلان في تلك الجلسة وقال عن عباس: «أنا الذي صنعته، أنا الذي حميته وهو يتجول في دول العالم لفتح آفاق البزنس لأبنائه». وفي اجتماع آخر، وصف دحلان عباس بأنه رئيس بالصدفة.
ومع ذلك، تؤكّد مصادر فلسطينية أن التحقيق لن يؤدي إلى نهاية المسألة. والإبعاد سيكون مرحليّاً فقط، خوفاً من تحرّك دحلاني. وترى أن النهاية ستكون على الطريقة «الفتحاوية» بمصالحة «عشائرية» بين أبو فادي وأبو مازن.


استقبال حار

في ظل تصاعد الخلاف بين محمود عبّاس ومحمد دحلان، تبرز المصالحة بين أبو مازن وفاروق القدومي، التي بدأت تأخذ منحى جديداً مع الحديث عن نيّة عباس تكليف أبو اللطف عملية الإصلاح في «فتح» ومنظمة التحرير.
أحدث خطوات المصالحة كان الاستقبال الحار الذي حظي به أبو مازن أول من أمس من القدومي في تونس. ففي خطوة غير معدّة مسبقاً، فوجئ الوفد الإعلامي المرافق للرئيس الفلسطيني بأن القدومي يقف على سلّم الطائرة لاستقبال أبو مازن عند وصول الطائرة من العاصمة السنغالية دكار الى مطار تونس.
وكانت صحيفة «القدس العربي» قد ذكرت أن عباس سيمنح الأخير تفويضاً سياسياً لإدارة سلسلة اتصالات تحت عنوان تأطير وتوحيد وإنعاش مؤسسات منظمة التحرير وحوار الفصائل، وأبلغه القدومي بأن مفاوضات المصالحة معه لن تضمن عودة الدائرة السياسية في تونس إلى وضعها القديم، لكن الموازنة المالية المخصصة لمكتب القدومي بصفته عضواً في اللجنة التنفيذية قد أعيدت.