القاهرة | يبدو أن شيخ الأزهر أحمد الطيب صار حائرا بين دولة تنادي بضرورة تجديد الخطاب الديني، ومؤسسة سلفية تعادي هذا تماما، بل بات شيوخُها وأساتذة جامعتها يهاجمون كل ما هو من غير مذهبها. هذه المؤسسة هي الأزهر، التي يقف الطيب على أعلى الهرم فيها، دون أن يعرف ماذا يفعل بين ما يمثله وما درسه؟
تجلى هذا التناقض في مؤتمر «رؤية الدعاة حول تجديد الخطاب الديني وتفكيك الفكر المتطرف»، الذي عقد في مدينة الأقصر جنوب القاهرة خلال الأيام الماضية. قال الطيب في المؤتمر تصريحات يمكن وصفها بالخطيرة حول الديانتين الإسلامية والمسيحية. وأوضح في كلمته الافتتاحية بالمؤتمر أن المسلمين «صنعوا حضارة راقية سعد بها الناس شرقا وغربا بوحي من القرآن الكريم، على عكس حضارة الغرب التي أصابها الضعف والتفكك حين رفعت لافتة الدين في القرون الوسطى، فلما تمردت على الدين وأدارت له ظهرها نمت وترعرعت».
هكذا دون مواربة هاجم شيخ الأزهر الدين المسيحي والغرب معا، ورأى أن الاقتراب منه جعل الغرب يتفكك ويتخلف ويعود إلى الوراء. أما الاقتراب من الإسلام، فجعل المسلمين في تقدم دائم!
ولا يبدو كلام الطيب مطابقا للاستنتاج الذي يقول إن النهضة الأوروبية قامت حينما ابتعد المواطنون عن رجال الدين، لا الدين نفسه، فالذي جرى تحديدا هو انفصال العلماء عن الكنيسة. لم يصمت شيخ الأزهر عند هذا بل أكد أنه «ثبت تاريخيا أن المسلمين حين أبدعوا كانوا يسندون ظهورهم إلى القرآن والسنة، وتراجعهم كان بسبب ابتعادهم عن مصادر القوة في الدين الإسلامي».
أما «تجديد الخطاب الديني»، الذي أقيم المؤتمر من أجله، فقال عنه: «وجود التجديد كحقيقة في شرع الإسلام، حيث ألهمت إشاراته مجددي الإسلام وسبقوا به من كان قبلهم»، مؤكدا أن العرض لا يمكن أن يبقي زمانين، بل يتغير ويتبدل ويتجدد أو يندثر.
وهذا الكلام يعاكس ويغاير تماما ما قاله الطيب في نيسان الماضي، بل خلال مؤتمر لتجديد الخطاب الديني، فتحدث عن المطالبين بتجديد الخطاب: «هؤلاء أيضًا يحلمون باليوم الذي يضعون فيه أيديهم على مؤسسة الأزهر ويَجمدون برسالته وعلومه ودعوته عند حدود التَّعبُّد بمذهب واحد واعتقاد معين وأشكال ورسوم يرونها الدين الذي لا دين غيره».
هذه التصريحات تظهر بوضوح «حيرة الشيخ السني الأكبر» بخصوص فكرة التجديد عموما، ويتضح من كلامه الذي يذهب ناحية الموضوع، ثم يعود ليحاول إرضاء كل الأطراف، وليس أدل على ذلك أنه استشهد بكلام الفيلسوف الشيعي الإيراني، صدر الدين الشيرازي، في كلمته أمام المؤتمر، قائلا: «الفيلسوف المسلم فضل الدين الشيرازي المتوفى 1641 سبق الفيلسوف الفرنسي هنري برسون بالقول بسيرورة الكون وديمومة العالم بـ300 عام، وذلك حينما قرر صدر الدين في كتابه الأسفار الأربعة أن الكون بعالميه السفلي والعلوي لا يكف لحظة واحدة عن التجدد».
هذا الجزء من التصريح أثار كثيرين اتجاه الطيب، واستغربوا استشهاده بكلام لفيلسوف شيعي، وخاصة أنه لم تمر على بيان مشيخة الأزهر الذي قال إنهم «لاحظوا تمويلات لتحويل شباب السنة إلى الشيعة» إلا أيام قليلة.
يرى الطيب أن اقتراب الغرب من الدين المسيحي كان سبب تراجعه
وكان ذلك البيان قد قال، إن «المشيخة لاحظت واكتشفت أن هناك أموالاً تضخ لتحويل شباب أهل السنة إلى المذهب الشيعي»، من دون أن يقدم أسماء لأشخاص أو لمؤسسات، ودون تحقيق نيابة أو بلاغ إلى أي قسم شرطة، مع أن هذا الكلام يثير الفتنة، وخصوصا في مصر التي أغلق فيها مسجد الحسين الشهر الماضي في وجه إحياء ذكرى عاشوراء. وأضاف ذلك البيان: «هؤلاء اختاروا هذا التوقيت لإشعال أو إذكاء البغضاء والكراهية بين الشيعة والسنة».
كذلك تجاهل الأزهر التقارير التي نشرتها جهات سيادية وقالت فيها، إن «الدعوة السلفية وجمعية أنصار السنة المحمدية، وائتلافي الدفاع عن الصحابة وآل البيت، وكلها مؤسسات تدعو إلى الإسلام الوهابي، حصلت على تمويلات من دول خليجية بمئات الملايين، كلها من أجل محاربة التشيع». ووفقا للجنة تقصي الحقائق التي ألّفتها وزارة العدل للتحقق من مصادر الأموال التي تحصل عليها الجمعيات في مصر بعد الثورة، فقد تلقت جمعية «أنصار السنة المحمدية» 181 مليون جنيها من «مؤسسة الشيخ عيد بن محمد آل ثاني» القطرية، و296 مليون جنيه من جمعية «إحياء التراث الإسلامي» في الكويت.
وبرغم أنه لا يوجد أي دليل مادي على تحول شباب إلى المذهب الشيعي، فإن هذا الكلام كان أيضا محتوى الحلقة الأولى من برنامج الشيخ الأكبر الرمضاني، ما جعل من الصعب تصديق أن الأزهر يحاول التقريب بين المذاهب. والمفارقة أن يوم مؤتمر تجديد الخطاب الديني الذي تحدث فيه الطيب، كان الإرهابيون يقتلون فيه داخل فرنسا تحت دعوى الجهاد التي تمتلئ بها مناهج الأزهر الدراسية، التي تقول فى كتب مواد أصول الدين تحديدا: «بذل الجهد في قتال الكفار؛ لتكون كلمة الله هي العليا»، وهو ما يوحي بأن «تجديد الخطاب الديني» إن كان مقصودا به منع الفتنة والقتل وأسبابهما، بعيد جدا عن المؤسسة وشيخها.