فجأة، قطعت محطات التلفزة الإسرائيلية برامجها عند ظهيرة أمس، وانتقلت إلى بث ميداني حيّ بالقرب من مستوطنة «حوليت» غرب المنطقة الجنوبية في قطاع غزة. هناك قُدِّم الحدث بدراماتيكة مفرطة، ما لبث أن لاقاها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بإعلان تطوير إسرائيل تكنولوجيا تمثل «اختراقاً عالمياً في قدرة تشخيص الأنفاق».
النفق المكتشف، بعدما فكت الرقابة العسكرية حظر النشر بشأنه، يمتد على مسافة نحو كيلومترين، انطلاقاً من منطقة «البويكي»، غرب رفح (داخل القطاع)، وصولاً إلى الأراضي المحتلة عام 1948، ما بين مستوطنتين حوليت وسوفا، أي على مسافة عشرات الأمتار غربي السياج الحدودي مع قطاع غزة.
وقال ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي إن عمق النفق يراوح بين 40 متراً داخل حدود القطاع، و30 متراً داخل الأراضي «الإسرائيلية». وحتى الآن لم يتمكن جيش العدو من تحديد المسار الدقيق للنفق، لكنه نفذ عند اكتشافه قبل نحو أسبوعين نشاطاً عملياتياً في المنطقة المفتوحة داخل نطاق القطاع بهدف تدميره، علماً بأن غياب الكشف عن مسار النفق يشكك في فرضية الكشف التكنولوجي، التي ستؤكدها الأيام المقبلة في حال توالي الاكتشافات.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الجيش «لا يعلم تاريخ حفر النفق»، لكنها نقلت عن مصادر عسكرية قولها إن وتيرة حفر النفق كانت سريعة نسبياً، وهي «إحدى العبر التي استخلصتها الحركة بعد حرب الجرف الصامد» قبل نحو عامين. وأشارت المصادر إلى أن عمق النفق يُعَدّ «شاذاً»، لكن من نواحٍ أخرى فإن الخصائص هي نفسها للأنفاق الأخرى التي اكتُشفَت، لجهة سكك الحفر والجدران الإسمنتية المسلحة والارتفاع الداخلي، وغيرها.
وقدرت المصادر أن النفق أُعدّ للاستخدام «في يوم الأمر» لتنفيذ عملية استراتيجية تتضمن تسلل عشرات المقاتلين من وحدات النخبة التابعة لحركة «حماس» إلى داخل إسرائيل. وفي ساعات المساء، أعلن للمستوطنين ألا يفزعوا من سماعهم لصوت انفجار كبير، سيكون صوت تفجير النفق.
يشار إلى أن مسؤولاً في قيادة المنطقة الجنوبية في جيش العدو، تحدث عن أن «حماس» تشغل نحو 800 شخص في مشاريع حفر الأنفاق التي يرى فيها قائد الذراع العسكرية للحركة، محمد الضيف، عنصراً ريادياً في تعاظم قدرات الحركة.
تعليقاً على الحدث، قال رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، إن «دولة إسرائيل أحرزت خلال الأيام الأخيرة اختراقاً عالمياً في قدرة تشخيص الأنفاق»، مشدداً على استثمار «أموال ضخمة من أجل إحباط تهديد الأنفاق... وسنواصل هذا الاستثمار بمثابرة وتصميم». وحذر نتنياهو «حماس» بالرد «بقوة على أي محاولة لمهاجة جنود إسرائيل ومواطنيها»، وطمأن في الوقت نفسه مستوطني «غلاف غزة» إلى أن الجيش الإسرائيلي «يعمل على مدار الساعة لضمان أمنكم وعيشكم الرتيب».
أما وزير الأمن، موشيه يعلون، فقال إن اكتشاف النفق «ثمرة جهد استخباري وعملياتي للجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية والصناعات العسكرية». ورأى أن النفق يشكل «انتهاكاً للسيادة» الإسرائيلية، وأن تل أبيب «تنظر إليه بخطورة وستتصرف بناءً على ذلك». وأضاف يعلون: «أعتقد أننا في الطريق الصحيح لاكتشاف كل الأنفاق».
كذلك، قال رئيس أركان جيش العدو، غادي آيزنكوت، إن الجيش «يضع تحدي الأنفاق على رأس جدول الأولويات ويواصل الاستثمار فيه من أجل إزالة هذا التهديد».
بعد الإعلان، تحدثت تقارير إعلامية إسرائيلية عن أجواء من القلق تسود المستوطنات القريبة من غزة. وقال مستوطنون إنهم لم يفاجَأوا من اكتشاف النفق، ووجهوا انتقاداتهم إلى الحكومة والجيش في ضوء عدم حصول أي تغيير على هذا الصعيد بين ما قبل حرب «الجرف الصامد» وما بعدها. وأوضح بعضهم أن اكتشاف النفق هو «كشف عن مشكلة نعيشها يومياً».
في الوقت نفسه، رأت صحيفة «هآرتس» أنه إذا كان النفق مما قبل حرب «الجرف الصامد»، فإن إعلان الحكومة آنذاك تدمير كل الأنفاق «لم يكن موثوقاً»، وإن كان جديداً، فإن ذلك «مؤشر على أن حماس لم ترتدع وأنها لا تزال تراهن على منظومة الأنفاق كورقة هجومية أساسية ضد إسرائيل في الجولة القتالية المقبلة».
«هآرتس»: إن كان النفق جديداً فهذا مؤشر على أن «حماس» لم ترتدع

العثور على النفق المذكور، وفق معلومات أمنية فلسطينية، لم يكن مفاجئاً للمقاومة، فقد سبق أن أعلن العدو قبل أسبوعين، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، «نية الجيش الكشف عن حدث خطير قد يؤدي إلى حرب». كذلك مهّد الإعلام العبري للحدث، عبر حديث مراسل القناة الإسرائيلية العاشرة أوري هلر، عن أنه في «الأسبوع المقبل يمكن أن نعلم سرّ وجود جرافات وحركة لجنود الجيش على حدود قطاع غزة». لكن لم يقدم هلر تفاصيل أكثر في تغطيته الإخبارية التي ظهر فيها من الحدود الشرقية للقطاع يوم الخميس الماضي.
في هذا الإطار، ردت «كتائب القسام» ببيان قلّل من قيمة الكشف الإسرائيلي، مضيفة أن «الكيان لم يجرؤ على نشر تفاصيل النفق أمام شعبه... وستحتفظ الكتائب لنفسها بحق نشر كافة التفاصيل التي أخفاها العدو في الوقت المناسب».
تعقيباً على ذلك، تقول مصادر أمنية في غزة إن «القسام علمت أن الجيش اكتشف إحدى عيون أنفاقها في عمق 200 متر في الأراضي المحتلة، وكانت الكتائب تنتظر إعلان ذلك». لكن المصادر أكدت أن النفق المكتشف قديم إلى حدّ أنه «استخدم في عملية أسر الجندي جلعاد شاليط عام 2007، بل إنه ظل مستخدماً في عمليات أخرى للمقاومة في خلال حرب 2014»، وهو ما يعني أن «كشف النفق بعد استخدامه طوال هذه المدة من دون التمكن من اكتشافه مسبقاً يشكل صفعة لإمكانات الجيش الإسرائيلي». وذهبت مصادر أمنية فلسطينية أخرى إلى القول إن التقديرات تشير إلى أن اكتشاف النفق «كان مصادفة، لكون المنطقة شهدت عمليات سابقاً للمقاومة، ومن الطبيعي أن تشهد حفريات مستمرة».
أحد قياديي المقاومة في غزة، تحدث طويلاً إلى «الأخبار»، عن حرب الأنفاق، التي «تكلف حفرها ملايين الدولارات، فضلاً عن استنزاف جهد بشري كبير». وقال: «تكلفة أي نفق لا تقل عن مليوني دولار، والنفق المكتشف كلّف المقاومة أربعة ملايين دولار لحفره». لكن هذه التكلفة تهون أمام كون الأنفاق أسلوباً عسكرياً فعالاً، ولا تزال تمثل تحدياً حقيقياً لإسرائيل، وأقل دلالة على ذلك الضجة الإعلامية التي رافقت اكتشاف النفق. كذلك ترى المصادر الأمنية أن «اختيار إسرائيل توقيت إعلان اكتشاف النفق في ظل المعركة الإعلامية المشتعلة بين إسرائيل والقسام حول مصير الأسرى»، محاولة لـ«طمأنة الجبهة الداخلية، والتسويق لقرب التوصل إلى إنجاز تكنولوجي من أجل استمرار الدعم لمشروع مكافحة الأنفاق الذي مولته الولايات المتحدة جزئياً».
وذهبت المواقع الإسرائيلية، منها الناطقة بالعبرية، إلى ربط حدث أمس، بمعلومات استخبارية قدمها «المقاتل في القسام سامي العطاونة الذي سلم نفسه أخيراً للجيش الإسرائيلي عبر الحدود الشرقية لقطاع غزة». لكن المصادر الأمنية الفلسطينية، قالت إن «عطاونة كان مقاتلاً عادياً ولم يكن مسؤول وحدة الأنفاق شمال غزة كما يحاول العدو الترويج له، ما يجعل من المستبعد معرفته بتفاصيل شبكة الأنفاق في منطقة رفح جنوب القطاع»، كذلك يجري التحقق من كون «عطاونة عميلاً أو جرى اختطافه»، وهو ما يفسر تشديد المقاومة إجراءاتها الأمنية خلال الأيام الماضية، ونشر الأجنحة العسكرية للفصائل عناصرها إضافة إلى وحدة النخبة في عدة محاور، منها المناطق الغربية (ساحل البحر).
ولا تخفي المصادر الأمنية وجود «تخوفات من غدر إسرائيلي محتمل ضد قيادة المقاومة وعناصرها، في ظل الجهد الاستخباري وصراع الأدمغة المتواصل بين الجانبين».
إلى ذلك، ذكر الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية في غزة، أنّ «القضاء العسكري حكم بالإعدام شنقاً ورمياً بالرصاص على خمسة متهمين بتهمة التخابر مع إسرائيل، والتسبب في مقتل مواطنين، والإدلاء بمعلومات تضر بالمصلحة العامة والأمن القومي الفلسطيني».