بغداد | على نحو متسارع، بلغ المشهد السياسي العراقي مراحل متقدّمة من التعقيد، إثر نجاح قوى برلمانية في إقالة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ثمّ إعلان هذا الأخير رفضه للإجراء، وهو الموقف ذاته الذي اتخذه رئيس الحكومة حيدر العبادي.يكمن التعقيد تحديداً في أن الطرفين، سواء الذي يمثله رئيسا الوزراء والبرلمان، أو الطرف الآخر، أي «النواب المعتصمون»، لا يملكان طريقاً واضحة وإجراءات حاسمة تمنح الاستقرار للبرلمان، وتمضي في تشكيل حكومة من وزراء جدد. فضلاً عن ذلك، فإن كلا الطرفين يتألف من كتل مختلفة، تنتمي إلى الائتلافات الكبيرة، بمعنى أن العامل المذهبي أو القومي الذي كان حاسماً في مثل هذه المواقف، لم يعد كذلك، لأن جبهة «النواب المعتصمين» التي أعلن أصحابها «مشروعاً ضد المحاصصة الحزبية»، تضم نواباً من الائتلافات الثلاثة الكبيرة، «التحالف الوطني» و«اتحاد القوى» و«التحالف الكردستاني».
من هذا المنطلق، قفز سريعاً إلى الواجهة خيار اللجوء إلى انتخابات مبكرة وحلّ البرلمان، وهي الخطوة التي تحدثت عنها مصادر مقرّبة من الجبوري. وأكد أحد المصادر لـ«الأخبار» أن «الجبوري ناقش بجدّية مع كل من العبادي ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم حلّ البرلمان، على أن يدعو الأخير إلى انتخابات مبكرة، بحسب الدستور». وأشار هذا المصدر إلى أن «الجبوري يسعى إلى لملمة القوى الأخرى الرافضة لحركة النواب المعتصمين، للمضي إما إلى إبقائه وإعلان حكومة جديدة برئاسة العبادي، أو إلى حلّ البرلمان».
إلا أن ما يعزّز خيار الإبقاء على الرئاسات الثلاث، الذي ناقشه الجبوري مع العبادي ــ وفق أحد المصادر ــ تصريحات الرئيسين، ذلك أن الأول ظهر في مؤتمر صحافي، الخميس، قال فيه: «لن نلتفت إلى القضية التي حدثت لكونها ليست بذات اعتبار». ثم أعقبه العبادي بكلمة خاصة وجهها إلى نواب جلسة الخميس، قال فيها: «لا يمكن الرضوخ لخيار الاستسلام للفوضى والانقسام والخلافات، وجرّ البلاد إلى المجهول والسقوط في الهاوية»، مضيفاً: «نرفض ذلك بشدة».
وفي الوقت الذي يستعد فيه فريقا البرلمان لعقد جلسة، اليوم، فإن ما سيزيد المشهد تعقيداً عدم استجابة العبادي لطلب الاستجواب، الذي كان قد وقعه «النواب المعتصمون» إثر إقالة الجبوري. علاوة على ذلك، فإن رفضهم حضور الرئيس المقال إلى الجلسة ــ إلا بصفته نائباً ــ يزيد من حدّة المواجهة.
تحديد جلسة دستورية الخميس قد يتطلّب إعادتها

كذلك إن اللجوء إلى «المحكمة الاتحادية» (الدستورية)، الذي لوّحت به أطراف عدة، لا ينهي الجدل بالنظر إلى تجارب عراقية أخرى، كالتي حصلت في فتوى «الكتلة الأكبر» (التي تنصّ على أن الكتلة التي تقوم بتشكيل الحكومة هي الكتلة الأكبر التي تتشكل بعد الانتخابات من خلال التحالفات وليست الكتلة الفائزة في الانتخابات)، عام 2010. إضافة إلى ذلك، إن تحديد دستورية جلسة الخميس، من قبل أعضاء «المحكمة الاتحادية»، قد يتطلّب إعادتها لأن الفريق المؤيّد لرئيس البرلمان المقال، شكك في أصل «النصاب القانوني» للجلسة، وكذّب العدد الذي أعلنه النواب المعتصمون، وهو 174 نائباً.
وفي هذا الإطار، شدّد النائب عن كتلة «المواطن» التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي، محمد المسعودي، على أن «المحكمة الاتحادية ستكون هي الفيصل لمعرفة قانونية كل طرف وأحقيته»، معتبراً في الوقت ذاته أن «ما جرى، الخميس، لم يكن ضمن الأطر القانونية والدستورية». وقال المسعودي لـ«الأخبار» إن كتلته لم تشارك في جلسة إقالة الجبوري.
وقد دعا «النواب المعتصمون» المحكمة الاتحادية إلى عدم استقبال السياسيين و«الإنصات إلى صوت القانون». وقال المتحدث باسمهم هيثم الجبوري، في بيان: «ندعو جميع سفارات الدول في بغداد إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، وأن تتحمل تقاريرها المضلّلة لبلدانها». وطالب المحكمة الاتحادية بـ«عدم استقبال السياسيين، أو تقبل الضغوطات الخارجية، وأن تنصت إلى صوت القانون وإرادة الجماهير».
كل ذلك يدفع خيار «الانتخابات المبكرة» إلى الأمام، على الرغم من أنه خيار ليس سهل التنفيذ، نظراً إلى الوضع الأمني الذي تعانيه مناطق ما زالت تحت سيطرة «داعش»، وأيضاً الوضع المالي المتردي للبلاد.
ويأتي ذلك في وقت أفادت فيه مصادر في «التيار الصدري» بأن «التيار سيبدأ، اليوم، اعتصاماً لا رجعة فيه»، حتى تحقيق مطالبه.
إلا أن النائب عن ائتلاف «دولة القانون» كاظم الصيادي، وهو من أبرز «النواب المعتصمين»، لا يستبعد اللجوء إلى هذا الخيار إذا تطلب الأمر. وقال لـ«الأخبار» إنّ «النخب السياسية المعتصمة تحت قبة البرلمان، لديها الكثير من المقترحات»، مشيراً إلى أن «من ضمن هذه المقترحات، إعادة تصليح وتصحيح الكابينة والمسار الحكومي». وأضاف: «أما بالنسبة إلى الانتخابات المبكرة، فسننتظر ما يريده الشارع»، موضحاً «إن إراد الشعب انتخابات مبكرة، فنحن مع الشعب العراقي في أي مطلب، وما يريده سيُترجم على شكل قرارات تحت قبة مجلس النواب».
من جهته، رأى النائب السابق طلال الزوبعي أن اللجوء إلى الانتخابات المبكرة خطوة ليست ضرورية، إذا امتلك أحد الطرفين الأغلبية المطلقة في البرلمان. ودعا الزوبعي إلى الانصياع لخيار «الأغلبية السياسية» بديلاً من التوافق والمحاصصة. وقال لـ«الأخبار»: «إذا لم تتوافر هذه الحالة، فإن العراق يسير إلى نفق مظلم».