لم يكن خروج آلاف المصريين رفضاً لقرار الرئيس، عبد الفتاح السيسي، والحكومة، التنازل عن السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، يوم أمس، وبعد دعوة مسبقة وعلنية، سوى تعبير واضح عن الرفض الشعبي لأحد القرارات التي أصدرها «الجنرال»، الحاصل على نحو 97% من أصوات الناخبين للرئاسة، برغم أن هذا القرار ليس الوحيد، بل جاء بعد تراكمات بين رفض شعبي متزايد ونقص في شعبية الرجل.صحيح أن وزارة الداخلية نجحت في قمع التظاهرات بالغاز وإلقاء القبض على متظاهرين أحالت بعضهم على النيابة للتحقيق بتهمة التظاهر دون ترخيص، لكن الرسالة وصلت: لقد كسرنا الخوف، مرة أخرى.
تظاهرات «جمعة الأرض»، لم تحظ بأي تغطية إعلامية محلية، فقد اختصر أرباب الإعلام المشهد بأنها شيء من تنظيم «جماعة الإخوان الإرهابية». لكن المعتصمين حملوا لافتات مناهضة للسيسي و«الإخوان» معاً، في حين أن غياب التغطية الإعلامية حرم المواطن مشاهدتها عبر الفضائيات.
والجديد في تظاهرات أمس، إعادة رفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، خصوصاً في التظاهرة الحاشدة التي نظمت على سلالم «نقابة الصحافيين»، واستمرت حتى المساء، وسط حصار أمني كبير انتهى بفضها.
وبرغم الاتفاق على توفير ضباط في وزارة الداخلية ممراً آمناً لخروج الراغبين في إنهاء التظاهرات والعودة إلى منازلهم، فإن حماسة عشرات الشباب دفعتهم إلى «ميدان التحرير» للاعتصام فيه، فردت قوات الأمن بإطلاق قنابل الغاز بكثافة لتفريقهم. ولوحظ أن الشرطة استعانت بضباط شاركوا في فض التظاهرات المعارضة لنظام حسني مبارك، فيما احتشد عشرات الأهالي أمام نقطة شرطة قصر النيل بانتظار إخلاء سبيل أقربائهم المحتجزين، الذين بدأت «الداخلية» الإفراج عنهم في وقت متأخر.
وصحيح، أيضاً، أن إعلان جناح من «الإخوان المسلمين» المشاركة في التظاهرات أثر سلبياً في أعداد المشاركين (راجع عدد أمس)، لكن كان لافتاً «مشاركة سيدات المناطق الشعبية اللواتي يشكلن القاعدة الرئيسية لجماهير السيسي، وهو ما ظهر بوضوح في أكثر من تظاهرة». وأكدت مشاركة الشباب وكبار السن أن الغضب طاول فئات مختلفة من المجتمع، غالبيتها لا تنتمي إلى تيار سياسي، خصوصاً أن أياً من الأحزاب السياسية لم يدع إلى التظاهر اليوم.
وبينما ساد الهدوء في محافظات الصعيد التي شهدت أيضاً تظاهرات «الأرض هي العرض»، فإن الإسكندرية شهدت صدامات حادة بين الشرطة والمتظاهرين أدت إلى إصابة عشرة أشخاص على الأقل باختناقات، بالإضافة إلى أن فض التظاهرات كان بالقوة. وخرجت تظاهرات في أماكن متفرقة من محافظات الدلتا تعاملت الوزارة معها بالمثل، فيما كان لافتاً أنه لم يسقط ضحايا.
حاول السيسي «التشويش» على الاحتجاج بجولة في مدينة الجلالة

وبينما يبدو جلياً أن كرة الثلج بدأت تتدحرج ضد نظام السيسي، لا أحد يعرف إلى أين يمكن أن تصل في المدة المقبلة؛ التظاهرات التي عمت القاهرة وخلقت استنفاراً أمنياً لم يحدث منذ أكثر من عام، أمر سيكون له اعتبارات قوية في خلال مناقشة البرلمان بنود الاتفاقية قبل الموافقة عليها نهائياً، كذلك يُنتظر أن تخرج تظاهرات مماثلة في 25 نيسان الجاري (ذكرى تحرير سيناء)، ويتوقع أن يكون الحشد فيها أكبر، وذلك بعد نجاح تظاهرات أمس في ظل التعامل الأمني العنيف.
وقد تعامل الأمن بشدة مع تظاهرات الرفض على عكس المتظاهرين الذين خرجوا لتأييد السيسي، خاصة أنه يعتقد أنهم مدفوعون من الأجهزة الأمنية، للتضامن مع الرئيس، خاصة أن القوات الأمنية لم تتعرض لهم، كما جرى تماماً مع التظاهرات المؤيدة للرئيس الأسبق حسني مبارك، في خلال الأيام الأولى من «ثورة 25 يناير».
وفي الوقت الذي كان فيه المتظاهرون يهتفون ضد السيسي في القاهرة، كان «الجنرال» في منطقة جبل الجلالة، جنوبي سيناء، لتفقد المشروع الذي يُنشأ في المنطقة الصحراوية برفقة عدد من شباب الإعلاميين وشباب برنامج التأهيل الرئاسي، مؤكداً أن موعد افتتاح المدينة الجديدة سيكون في 25 نيسان، وذلك للإيحاء بوجود «إنجازات»، وأن هذا الرئيس لا يضع الحجر الأساس ويترك المشروعات على غرار سابقيه.
أيضاً، تحدث القائد العسكري السابق عن وجود «مخطط جهنمي» يستهدف مصر من الداخل لهدم الدولة، وذلك «بتأليب الصغار على الكبار لكسر إرادة الأمة»، محذراً من الاستسلام للشعور بالإحباط واليأس، ودعا إلى «إصلاح أي شرخ» حدث في المجتمع المصري.
اللقاء، الذي جري ترتيبه قبل يوم واحد من التظاهرات، ووجهت الدعوة إلى الاعلاميين لحضوره، لا يخفى أنه جاء لإظهار تحركات الرئيس والإنجازات التي حققها في سبيل التغطية على التظاهرات. فقد تحدث الرجل عن «غياب تركيز الإعلام» على 30 مشروعاً افتُتحت أخيراً والمشروعات القومية التي يجري العمل فيها، مقابل التركيز على «السلبيات».
السيسي دافع مجدداً عن نقل تبيعة تيران وصنافير إلى السعودية بالإشارة إلى أن الجزيرتين موجودتان على الناحية الأخرى من الشاطئ، لكنها «أرض غير مصرية... علينا التعمير في أرضنا والمحافظة عليها».
برغم ذلك، فإن التظاهرات الحاشدة أمس، دفعت السيسي إلى طلب تقارير «تقدير موقف» من الأجهزة المختلفة، حول سبب تحرك الشارع بهذه الطريقة، خاصة من «المخابرات العامة» و«الحربية»، بالإضافة إلى نصائحهم في التعامل مع الموقف في الأيام المقبلة، لتجنب تصعيد الاحتجاجات، كما كشفت مصادر أمنية مطلعة. وقالت تلك المصادر إن التعليمات الرئاسية كانت واضحة لوزير الداخلية، مجدي عبد الغفار، بضرورة عدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين، مع «التصدي بحزم» لأي محاولات لحرق مبانٍ دون إيقاع قتلى بين المتظاهرين، وهي التعليمات التي عممت على مديري الأمن.