تشهد أروقة البرلمان المصري حالة غضب بين النواب، الذين أكدوا أن الاستفتاء الشعبي هو الحل لأزمة توقيع الحكومة اتفاقية رسم الحدود المصرية ــ السعودية بعدما نقلت السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى سلطة الرياض. ويرفض النواب أن يتحملوا تبعات هذه الاتفاقية تاريخيا، فضلا عن القلق من حالة الغضب الشعبي ونتائجها. حتى إنه من بين النواب المؤيدين للدولة، خرجت أصوات معارضة، منهم النائب معتز محمود (عضو ائتلاف دعم مصر)، الذي قال لـ«الأخبار»، إن «أي خطوة تخص سيادة وحدود الدولة المصرية لا بد أن تعرض على البرلمان، وعقب إبداء رأيه، يجري استفتاء شعبي بشأنها، وذلك بحسب الدستور».
ودار خلاف بشأن تفعيل المادة «151» من الدستور، التي نصت على أنه «يجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا تجري التصديق عليها إلاّ بإعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أي معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة».
محمود شدد على ضرورة أن تعرض الاتفاقية ببنودها كاملة على البرلمان للبت فيها، مع إرفاق المستندات التي تنص على أن ملكيتها سعودية. وتساءل: «من يأخذ مثل هذه القرارات... دي أكبر فرصة لأعداء البلد لهدم الدولة». وأوضح أنه ما لم تعرض الاتفاقية لاستفتاء شعبي، فسيمتنع عن التصويت، «احتراما للدستور الذي أقسمنا على الحفاظ عليه»، ومؤكدا أنه وعددا من زملائه لا يقبلون «اغتصاب الأرض... الاستفتاء الشعبي سيرفع الحرج عن الحكومة والمجلس».
وهذا الحدث هو ثانية القضايا التي اعترض عليها النواب، في وجه الدولة، منذ تشكيل المجلس قبل أشهر. وكانت القضية الأول هي قانون الخدمة المدنية الذي حاولت الحكومة تمريره، لكن نتيجة التصويت كانت رفض القانون.
يضيف محمود: «لو كان للسعودية حق في ملكية هذه الأراضي كما تقول، فعليها أن تلجأ إلى التحكيم الدولي، وما يقر به نلتزمه معا»، موضحاً أن هذا الأمر «حدث مع مدينة طابا الذي أقر التحكيم الدولي بأحقية مصر بها لا إسرائيل». كما انتقد ما سماه «غياب الحس السياسي في إدارة هذه الأزمة.. كان يجب إخراجها إلى الشعب، وطرحها للنقاش ستة أشهر على الأقل قبل توقيعها».
الموقف نفسه تبنّاه علاء عبد المنعم، وهو المتحدث الرسمي باسم «ائتلاف دعم مصر»، قائلا، إن «مجلس النواب سيراجع جميع الوثائق التاريخية، حتى يجري التأكد من تبعية تيران وصنافير لمصر أو للسعودية... في حال التأكد من أن الجزيرتين ملك لمصر، فلن نتنازل عنهما». وأضاف عبد المنعم، عبر صفحته على «فايسبوك»، أنه في حال إثبات ملكيتهما للسعودية وأنهما كانتا تخضعان للسيادة المصرية، يجب «تطبيق نص المادة 151» (المشار إليها).
كذلك أعلن النائب سمير غطاس، أنه أحد الرافضين لهذه الاتفاقية، مؤكدا أنه سيصوت بالرفض حين عرضها على مجلس النواب، وموضحا أن المسألة «ليست فنية، ولا تقاس بحسب قربها من أي مياه إقليمية، بل إن المسألة سياسية بامتياز». وتساءل غطاس: «لماذا الآن تطالب السعودية بإلحاح بفرض سيادتها؟... ما من إجابة لدى أي من السياسيين والإعلاميين المدافعين عنها».
وفسر النائب موقف السعودية وإصرارها بالقول إن المملكة صارت «دولة جوار، ودخلت اليوم إلى حضيرة اتفاقية كامب ديفيد، وهذا الأمر سيترتب عليه تشكيل نظام أمني إقليمي جديد تدعو له الولايات المتحدة منذ مدة طويلة ويدرج اسرائيل مع عدد من الدول العربية التي تراها معتدلة، ومنها السعودية». وأضاف غطاس أن الرياض «تسعى إلى تشكيل هذا الائتلاف والدخول فيه، بسبب ما تلقته من هجمة شديدة من الإدارة الأميركية... هي تريد تشكيل ائتلاف سني في مواجهة الخطر الشيعي، لتستبعد بذلك الصراع من عربي ــ إسرائيلي إلى سني ــ شيعي».
أيضاً، تقدم عدد من النواب بطلبات إحاطة مفادها عرض بنود الاتفاقية والوثائق التي تضمنتها على البرلمان، فيما قال عضو «الائتلاف» (أغلبية في البرلمان) طارق الخولي، إنه تقدم بطلب إلى رئيس البرلمان علي عبد العال، يوجه إلى رئيس الوزراء حول توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، فيما ذهب النائب المعيّن رئاسياً، يوسف القعيد، أبعد من ذلك، حينما قال: «ليس من حق شريف إسماعيل توقيع هذه الاتفاقية، لأنه يسلم بها أرضا ملك المصريين لدولة أخرى».
وأضاف القعيد، الذي انضم إلى «ائتلاف ٢٥ــ٣٠» المزمع تشكيله، في حديث إلى «الأخبار»، أنه لا يمكن «التنازل عن أرض تملكها الدولة إلا باستفتاء شعبي»، موضحا أن لقاء الرئيس الإعلامي لم يكن على المستوى المنتظر، وغير مرضٍ لـ«الرأي العام الغاضب».
إلى ذلك، قال النائب عماد جاد، إن «الأزمة تكمن في طريقة إدارة القضية، لأن القضايا التي يترتب عليها ترسيم حدود هي قضية رأي عام، وكان لا بد من الإعلان والشفافية». وأضاف: «فشل إدارة الحكومة لهذا الملف تسبب في ما وصلنا إليه، كما أن عدم اختيار الوقت المناسب تسبب في ظهور الأمر كأنه بيع للأراضي المصرية للمملكة السعودية».