سقطت جبهة غزة عن جدول الأعمال الإسرائيلي سريعاً فور انتهاء عملية «عمود السحاب». تحدث الفلسطينيون عن نصر كبير، فيما اكتفت تل أبيب بالحديث عن إنجازات تحققت جراء العملية العسكرية، أبرزها التهدئة الحدودية التي تعهدت فصائل المقاومة في القطاع الالتزام بها تحت رعاية مصرية. ومنذ أن صمتت المدافع، استمر الجانبان في تمجيد الاتفاق الذي خلصت إليه الوساطة المصرية، متجاهلَين الواقع الميداني وما يسجله دورياً من اختراقات تتناقلها التقارير الإعلامية من دون إضاءة خاصة.

اختراقات سلطت افتتاحية «يديعوت أحرونوت» عليها الضوء أمس، مقدمةً نظرة مغايرة لما يحصل على الأرض، ومحذرةً من «جولة مسلحة قادمة». ووضعت تجاهل الطرفين لذلك في إطار الحسابات السياسية الخاصة التي تفرضها أولوياتهما الراهنة.
وكتب محلل الشؤون العسكرية في الصحيفة، أليكس فيشمان، أن «وقف إطلاق النار على جبهة غزة آخذ في الانهيار، إلا أنه لا يوجد لدى أحد في إسرائيل الوقت أو الرغبة لمعرفة ما يحدث هناك حقاً»، وخصوصاً أن «اهتمام رئيس الوزراء محصور في الانتخابات وآخر شيء يحتاج إليه هو ترتيبات مع «حماس» أو حتى صورة ظاهرية لترتيبات معها». وكشف أن الفريق الإسرائيلي المكلف إجراء المفاوضات حول رزمة التفاهمات مع «حماس» في القاهرة تلقّى تعليمات بجرجرة الأمور وعدم التوصل إلى أي اتفاق إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية.
ورأى فيشمان أن الطرفين باتا أسيري دعايتهما الذاتية، حيث أقنع كل طرف جمهوره بأن انتصاره في «عمود السحاب» كان مطلقاً، فيما حقيقة الأمر على الأرض تشير إلى أن إسرائيل وحماس تتصرفان منذ «وقف النار في 21 تشرين الأول الماضي كأنه لم يكن «عمود السحاب»».
وأوضح الكاتب أن سياسة إسرائيل في «المنطقة الأمنية الخاصة»، وهي عبارة عن شريط بعمق نصف كلم متر يمتد على طول السياج الحدودي الفاصل بين القطاع وإسرائيل، لا تزال على ما هي عليه لجهة منع الفلسطينيين من الاقتراب منها لأسباب أمنية، فيما يواصل الفلسطينيون محاولاتهم الدخول إلى هذه المنطقة، الأمر الذي تصدى له الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار ثلاث مرات على الأقل خلال الأسابيع الماضية، وتسبب بجرح سبعة أشخاص. وفي موازاة ذلك، لا يزال الجيش الإسرائيلي يسير دورياته على حدود القطاع لفتح محاور الحركة ولمحاولة العثور على عبوات ناسفة وأنفاق وتفجيرها.
أما حركة «حماس»، التي، بحسب فيشمان، حددت النصر في البحر بتوسيع منطقة الصيد، وعلى الأرض بتحرير المنطقة الأمنية الخاصة من القيود الإسرائيلية، فأقنعت سكان القطاع بذلك، إلا أنهم «حينما يجتازون خطوطاً ما في البحر يطلق سلاح البحرية النار عليهم، وحينما يقتربون من الجدار للاستمتاع بثمار النصر يطلق الجيش النار عليهم». وهكذا، يضيف الكاتب، «فيما تحاول إسرائيل الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة الامنية الخاصة، حاولت حماس الحفاظ على الوضع الراهن في شأن التهريبات والتسلح الاستراتيجي، الذي تعتبر إسرائيل تدميره الإنجاز المركزي لـ «عمود السحاب»». وأضاف «تبيّن أنه منذ الايام الاولى بعد العملية أن حماس ومنظمات أخرى عادت الى انتاج وتطوير صواريخ بعيدة المدى، بل إنها في احدى الحالات، وقد يكون ذلك من أجل التجربة، أطلقت صاروخاً نحو اسرائيل، وهو ما تُرجم هنا بعدم رضى حماس عن النشاط الاسرائيلي على حدود القطاع».
ويشير فيشمان إلى أنه «في الأيام الأولى بعد العملية لم يكن لإسرائيل ولحماس مصلحة في إفساد الهدوء، لأن العودة فوراً إلى إطلاق النار كانت ستكشف خدعة الإنجازات المحدودة جداً لدى الطرفين. ولم يفكر الطرفان من البدء كيف يُهدئون، بل كيف يستخلصون، أقصى قدر من الإنجاز كما تصوراه».
ويتابع «في تلك الأيام تصرفت إسرائيل وحماس بصورة «حضارية»، مثل دولتين بينهما صراع. فحينما استمرت حماس في نقض الاتفاقات قدمت إسرائيل شكوى رسمية إلى مصر. وأبلغ المصريون حماس أن هذا يناقض التفاهمات، وكان يبدو أن حماس قبلت تفسير الاتفاق». وأوضح أن «حماس اشتكت من جهتها للمصريين من إطلاق النار الإسرائيلي على طول المنطقة الامنية الخاصة. وللوهلة الأولى بدا أن هناك ما يشبه آلية فعالة لمراقبة وقف إطلاق نار، إلا أن هذا الاحتفال انتهى سريعاً جدا، وعادت حماس الى عادتها وكف المصريون عن التنبيه، وجرت جرجرة التفاوض في القاهرة».