بغداد | واصل المحتجون في محافظة الأنبار أمس اعتصامهم لليوم الخامس على التوالي، وسط إجراءات امنية مشددة، في الوقت الذي انطلقت فيه تظاهرات واحتجاجات مساندة لهذا الاعتصام في محافظات أخرى ذات غالبية سنية. وقاد شيوخ دين احتجاجاً في محافظة نينوى أمس، توجهوا به إلى مقر مجلس المحافظة (الحكومة المحلية) للمطالبة باعلان حالة العصيان المدني والتضامن مع المطالب التي يتبناها المعتصمون في محافظة الأنبار.
وتضاف إلى ذلك مواقف تصب في نفس الاتجاه، أطلقها رئيسا مجالس علماء العراق في كل من الرمادي وسامراء، وذلك بعدما أدى اعتقال عناصر حماية وزير المال، رافع العيساوي، إلى اشتعال الاحتجاجات، التي من المرجح أن تتصاعد بعدما أكدت مصادر حكومية لـ«الأخبار» أن ضباط التحقيق في قضية عناصر حماية العيساوي، استطاعوا انتزاع اعترافات من هؤلاء العناصر تفيد بأنهم نفذوا عمليات تفجير بناءً على أوامر من الوزير نفسه. هذه المعلومات (بصرف النظر عن مدى صحتها) تعني أن الحكومة المركزية مصرة على ايقاف عناصر حماية الوزير، لا بل إنه من الممكن أن تصدر مذكرات ايقاف لوزير المال نفسه.
ولعل أخطر ما يتضمنه اعتصام الأنبار والتظاهرات المصاحبة له وجود أصوات داخل هذا الحراك تتحدث عن ضرورة قيام إقليم خاص في هذه المنطقة، فيما ذهبت أصوات أخرى إلى أبعد من ذلك. وكشفت عن ميلها لاعلان «دولة العراق الغربية»، التي تضم المحافظات ذات الغالبية السنية، إضافةً إلى الأردن في حال سقوط النظام الملكي فيها، بحسب المراقبين للمشهد السياسي المحلي والاقليمي. لذا فإن تمسك حكومة نوري المالكي بالمضي قدماً في قضية العيساوي من شأنه أن يحوّل هذه الأصوات إلى مطالب جديّة يرفعها المحتجون.
لكن التساؤل يبقى حول التوقيت الذي ستتحول فيه هذه الأصوات الى مطالب حقيقية يرفعها المتظاهرون، فضلاً عن أي مشروع سيكون راجحاً على الآخر بين «الفدرالية» أو «العراق الغربية».
المحلل السياسي، أحمد الشريفي، رأى في حديث مع «الاخبار» أن «الموقف من هذه الاعتصامات والتظاهرات واضح جداً، فهو تمهيد لقضية تقسيم العراق، وهو مشروع يتبناه العديد من قادة المشهد السياسي في البلاد، وخصوصاً أننا نشهد رفع المتظاهرين أعلام الجيش العراقي الحر، وأعلام اقليم كردستان، وهذا التمهيد يندرج ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد».
ولفت الشريفي إلى أنه عند قراءة التحركات المحلية والاقليمية «يصبح ذلك جلياً، فزيارة رئيس الحكومة نوري المالكي المفاجئة إلى الأردن وتقديمه المساعدات المادية إلى الحكومة، يأتيان ضمن خطته لدعم النظام الأردني بغية عدم انهياره، وخصوصاً أن المملكة أعلنت في وقت سبق زيارة المالكي لها، أنها تمر في ظروف صعبة جداً». وأكد الشريفي أن «المالكي يعي أنه في حال سقوط النظام الأردني، ووصول القوى الاسلامية الى الحكم، فإن ذلك سيكون الحجر الأساس الذي سيمهد الطريق لاعلان دولة العراق الغربية».
وأشار الشريفي إلى أنه «جرى أخيراً اكتشاف أكثر من 53 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في المنطقة الغربية من العراق، إضافةً إلى اكتشاف نسب كبيرة من النفط الخام في المنطقة نفسها». وتوقف عند الأزمة بين حكومة اقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد، التي باتت مستعصية على الحل، مشيراً إلى أن هذا الوضع من مقدمات تقسيم البلاد والذهاب الى دول صغيرة.
أما توقيت بدء تصعيد الحديث عن المشروع التقسيمي، فرأى أنه لا يمكن التنبؤ به حالياً، لكنه نبّه إلى أنه «في حال استمرار الأوضاع المحلية والإقليمية على حالها، فإننا سنسمع بهذا المشروع رسمياً بعد ستة أشهر من الآن».
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، سعدي الحديثي، يرى أن الحديث عن دولة العراق الغربية لا يزال مبكراً.
وأوضح لـ«الأخبار»، أن «ما نشهده من احتجاجات واعتصامات في المحافظات ذات الغالبية السنية، يمثل انفعالاً وعواطف جياشة، انطلقت رداً على اعتقال عناصر حماية وزير المال رافع العيساوي التابع للقائمة العراقية، لذا فإن الاعتصام في أحد أوجهه يمثل منفذاً لتنفيس هذا الغضب».
لكنه استدرك بالقول إنه «ليس هناك من امكانية لتوليد ضغط شعبي كبير من شأنه أن يدفع الحكومة إلى تغيير مواقفها بهذا الخصوص، ذلك أن هناك جهة واحدة هي التي تسيطر على الحكومة (ائتلاف دولة القانون)، ولا يمكن الأطراف الأخرى (في إشارة إلى قادة القائمة العراقية) أن تحقق أي ضغط فعال».
وبخصوص الأصوات المنادية بمشروعي الفدرالية أو دولة العراق الغربية، أوضح الحديثي أنه «لا يمكن اعتبارها دعوات حقيقية، وتحديداً فكرة اعلان دولة العراق الغربية، ذلك أن من طرح فكرة الفدرالية في وقت سابق لم يستطع المضي بها آنذاك، إضافة إلى أن القادة الأكراد يسعون منذ سنين طويلة إلى اعلان دولتهم الخاصة، دون جدوى لانعدام الظروف الاقليمية المؤاتية».
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد أن «قادة القائمة العراقية قد يجددون مطالبتهم بإنشاء إقليم يضم المحافظات ذات الغالبية السنية»، واصفاً إياه بأنه «خيار لا غبار عليه، كما أن الدستور العراقي ينص على هذا الحق، واذا رفضته الحكومة المركزية في بغداد، يجب عندها تعديل النص الدستوري».
ولفت الحديثي إلى أن «الدستور العراقي بيّن آليات انشاء الأقاليم، وذلك عبر تقديم طلب خطي من قبل ثلث أعضاء المحافظة، إلاّ أن الحكومة ستبادر كالعادة الى رفضه، وبالتالي سيكون من الأفضل إحالته على المحاكم الاتحادية لبت هذا الموضوع، الأمر الذي سيأخذ شهوراً عديدة من المماطلة والتسويف».



التيار الصدري يدعم تظاهرات الأنبار

أعلنت «كتلة الأحرار»، التابعة للتيار الصدر بزعامة مقتدى الصدر (الصورة)، أمس، تضامنها مع تظاهرات أهالي محافظة الأنبار «ضد الفساد والدكتاتورية»، داعيةً إياهم إلى إفشال محاولات تسييس مطالبهم وصبغها بالطائفية. وقال الأمين العام للكتلة، النائب ضياء الأسدي، إن «موقف كتلة الأحرار من تظاهرات أهلنا في محافظة الأنبار هو أننا مع جميع مطالبهم العادلة المتعلقة بمحاربة الفساد والمفسدين ومحاسبة المقصرين في الحكومة». وأوضح الأمين العام لكتلة الأحرار، أن كتلته تتضامن أيضاً مع مطالب «رفض الدكتاتورية والطائفية مهما كان مصدرها». وأضاف الأسدي إن الكتلة تهيب بأهالي الأنبار «ألا يساوموا على وحدة العراق واستقراره»، داعياً إياهم إلى إفشال محاولات تسييس مطالبهم وصبغها بالصبغة الطائفية».