القاهرة | انفضّ مولد الدستور وانتهى الاستفتاء بإعلان النتيجة النهائية التي تجاهلت كمّ الانتهاكات التي لازمته في مرحلتيه الأولى والثانية. وبعيداً عن فخر تيار الإسلام السياسي وفرحته بما أنجزه بعد الموافقة على مشروع الدستور وصراخ المعارضة على النسبة التي حصدتها في الاستفتاء، تبقى لغة الأكثر كشفاً عن الحقائق. بيان اللجنة العليا للاستفتاء ضم العديد من الأرقام، بينها أن المصريين في الداخل والخارج وافقوا على مشروع الدستور الجديد بنسبة بلغت 63.8 في المئة مقابل 36.2 في المئة قالوا «لا». ووفقاً للبيان نفسه، فإن عدد الذين يحق لهم التصويت في التصويت يبلغ 51 مليوناً و919 ألفاً و67 ناخباً، وعدد من شاركوا في التصويت على الاستفتاء بلغ 17 مليوناً و 58 ألفاً و 317 مواطناً. أما الذي لم تشر إليه أرقام اللجنة فهو أن الدستور جرى إمراره بموافقة 10 ملايين و 693 ألفاً و911 مواطناً، اذ إن اللجنة العليا للانتخابات احتسبت نسبة المؤيدين ممن حضروا إلى الاستفتاء وليس ممن لهم حق التصويت، أي إن الأغلبية في الحقيقة لم تحضر إلى الاستفتاء، فنسبة الممتنعين عن المشاركة وصلت إلى 66.2 في المئة من الناخبين، وهي نسبة كبيرة متى جمعت مع نسبة من قالوا «لا» رفضاً للدستور. فالتصويت بـ«لا» والمقاطعة هما وسليتان للتعبير عن الرفض. هذه الرؤية يرتاح لها فريق المعارضة، إذ خرجت تصريحات من قادة جبهة الانقاذ الوطني بينهم حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي، تقول إن المعارضة هي الأغلبية بنتيجة الاستفتاء. غير أن هناك اتجاهاً آخر يرى عكس ذلك، ويعتبر أن غياب تلك النسبة ممن يحق لهم التصويت هي في الحقيقة لها علاقة بحالة اليأس من المشاركة في اللعبة الدائرة بين النظام والمعارضة. وأصبحت غالبية الناس لا تثق في الطرفين بعد أن كانت بدأت في المشاركة الايجابية في الاستحقاقات الانتخابية (البرلمانية والرئاسية).
وبالعودة إلى الشق القانوني من غياب أغلبية من لهم حق التصويت عن التصويت، يعد هذا الدستور مشكوكاً في شرعيته. المستشار محمود زكي، نائب رئيس مجلس الدولة، أوضح أن المادة 60 من الإعلان الدستوري الذي تم الاستفتاء عليه في آذار 2011 تنص على «أن يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى في اجتماع مشترك، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال ستة أشهر من انتخابهم، لانتخاب جمعية تأسيسية من مئة عضو، تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها». ووفقاً للمادة نفسها «يُعرض المشروع، خلال خمسة عشر يوماً من اعداده، على الشعب لاستفتائه في شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء». وتوقف زكي عند اشتراط «موافقة الشعب عليه (الدستور) في الاستفتاء»، موضحاً أن الشعب هنا هو من لهم حق التصويت في الانتخابات والاستفتاءات. أما «موافقة الشعب» فغير واضحة. وقد يكون المقصود بها «الأغلبية بمن حضروا، أو الأغلبية تعني حضور نصف زائد واحداً»، أي 26 مليون ناخب +1.
وأوضح زكي وجود قاعدة قانونية تنص على الرجوع إلى القوانين التي تنظم النتيجة في حال الانتخابات و«نحن لدينا قانون ينظم انتخابات البرلمان وآخر ينظم قانون انتخابات الرئاسة، لكن لا يوجد قانون ينظم الاستفتاء، فيكون الحسم هنا بالعودة إلى الأصل وهو نص المادة التي تنظم الاستفتاء بالإعلان الدستوري». وأوضح أن الأمر كان من المفترض أن يوكل إلى المحكمة الدستورية «لكن أعضاءها لا يستطيعون الدخول إلى محكمتهم فكيف سيرسل أحد لهم طلب تفسير في ذلك الامر»، مشيراً إلى الحصار الذي تفرضه بعض الجماعات الإسلامية حول المحكمة الدستورية العليا منذ أكثر من أسبوعين.
وانتقد زكي قول البعض إن الدستور الجديد ينص على أن الأغلبية بمن حضروا وليس بمن لهم الحق في التصويت، لافتاً إلى أن هذا النص وجد في مشروع لم تتم الموافقة عليه بعد وبالتالي لا يجوز الأخذ به.