صنعاء | المحتجون السلميون القادمون من تعز سيراً على الأقدام لإحياء ذكرى مسيرة الحياة وصلوا الى صنعاء وتجمعوا مع محتجين من مناطق أخرى في اعتصام سلمي أمام دار الرئاسة. وهذا تعبير احتجاجي سلمي متحضر ومحترم يكفله الدستور والقانون اليمني لكل مواطني هذا البلد. غير أن قوات الأمن المركزي والشرطة واجهتهم بطريقة غير أخلاقية ولا إنسانية ولا وطنية. وفي خضم هذا كله، اقتصر موقف اللقاء المشترك على بلاغ صحافي طالب فيه بالتحقيق في الاعتداء على المعتصمين ورفع الحصار عنهم وإطلاق سراح المعتقلين منهم والتعبير عن أسفه حيال ما حدث ويحدث.
«تأسف أحزاب اللقاء المشترك لاستخدام قوات الأمن للعنف ضد المعتصمين أمام دار الرئاسة...»، هكذا بدأ البلاغ الصحافي. لكن «أحزاب تأسف» باتت هي نفسها تثير الأسف. وزارة الداخلية، المسؤولة عما يجري من اعتداء على المعتصمين، تعد رسمياً في يد «أحزاب تأسف» كما يفترض، إذ إنها جزء من حصتها في حكومة الوفاق الوطني (التي تشكلت عقب توقيع المبادرة الخليجية)، إلا إذا كان حزب الإصلاح الذي ينتمي إليه وزير الداخلية شيء وبقية أحزاب المشترك شيء آخر. كما أن قوات الشرطة وقوات الأمن المركزي لم تعد في قبضة علي عبدالله صالح وعائلته، بل أصبحت في قبضة الرئيس عبدربه منصور هادي ومحسوبة أكثر على الطرف الآخر المتمثل في «أحزاب تأسف». فلمن توجه «أحزاب تأسف» مطالباتها ودعواتها ومشاعرها الآسفة، لحزب الخضر الهولندي مثلاً؟!
«أحزاب تأسف» تعرف جيداً الجهة الواقفة وراء قرار الاعتداء على المعتصمين السلميين، وهي بالتأكيد ليست الرئيس السابق علي عبد الله صالح ولا عائلته وحزبه. هذا الواقع يمكننا استنتاجه من لغة البلاغ الهادئة والدبلوماسية جداً والمهذبة أكثر من اللازم مع المعتدين. وهذا يعني أن هذه الجهة ليست صالح وحزبه لأن لغة البلاغ كانت ستكون مختلفة جداً.
البلاغ، الذي يتكون من أربع فقرات، بدأ فقرته الأولى بـ«تأسف» وبدأ فقرته الرابعة والأخيرة بـ«كما تأسف». وما بين الفقرتين، فقرتان أخريان: بدأت الثانية بـ«ترفض» والثالثة بـ«تؤكد». الذي «أسفت» منه أحزاب المشترك في الفقرتين الأولى والرابعة والذي «رفضته» في الثانية و«أكدته» في الثالثة يبين الموقف الحقيقي المتخاذل لـ«أحزاب تأسف» تجاه الاعتداء على المعتصمين السلميين والمعتدين عليهم. أحزاب اللقاء المشترك عبرت عن رفضها الصريح لـ«توظيف المسيرة لمصلحة أي طرف أو جهة كانت». اذا، هذا هو الأمر «الجلل» الذي استدعى أن تخصه بالرفض في فقرتها الثانية. في موقفها من مسألة التوظيف المزعوم للمسيرة، يبدو أن البيان يشير إلى الحوثيين الذين يتهمون بتوظيف المسيرة من قبل طرف داخل المشترك هو الإصلاح. قد يكون هناك توظيف فعلاً، فهذه ليست المرة الأولى التي يوظف فيها الحوثيون مسيرات سواهم، لكن هل هذا هو الأمر الوحيد الذي يستحق الرفض في الحدث كله؟ هل هو أهم من الاعتداء نفسه الذي اقتصر موقف أحزاب المشترك تجاهه على «الأسف»؟
لغة البلاغ المهذبة وموقفه الدبلوماسي «الآسف» من الاعتداء على المعتصمين يشير إلى أن البلاغ كان يخاطب حزب الإصلاح الذي ينتمي إليه وزير الداخلية. وانتقال البلاغ من لغة الأسف الدبلوماسية إلى لغة الرفض الصريح «لتوظيف المسيرة» يشير إلى أن البلاغ أراد منافقة الإصلاح بتوجيه إدانة لخصمه الأيديولوجي المتمثل في الحوثيين، رغم أن مسألة «توظيف» هذا الخصم لهذه المسيرة بالذات لم تغادر حيز الاتهامات التبريرية لقمعهم!
كل هذا مضافاً إليه لغة ونبرة المعارضة الواضحة في البلاغ يشير إلى أن هناك تكتلين داخل تكتل المشترك: الأول، اللقاء المشترك الذي يضم حزب الإصلاح وتكتل مراكز القوى الشريكة والحليفة كعلي محسن الأحمر وبيت الأحمر، وهذا التكتل هو الطرف والشريك الفعلي في المبادرة وحكومة الوفاق الوطني. والثاني، تكتل حزبي حاضر في المبادرة وحكومة الوفاق اسمياً وديكورياً، ولكنه غير حاضر في السلطة فعلياً قدر حضوره الفعلي في المعارضة. وهذا التكتل الذي يضم الحزب الاشتراكي والناصري وبقية أحزاب المعارضة يمكن أن يطلق عليه اسماً واحداً: تكتــل أحــزاب الأســف المشترك.