الناصرة، بيت لحم | في وسط مدينة الناصرة، وتحديداً أمام كنيسة البشارة، نُصبت وزُينت أضخم شجرة على الإطلاق، فيما اجتمع عشرات الآلاف من المواطنين، مسيحيين ومسلمين، لإضاءتها إيذاناً بانطلاق الأعياد. أتوا من كل فلسطين المحتلة عام 1948، من طرعان والرينة، وأبو سنان، وحيفا، وعكا، ويافا، وطبريا، فيما نُظم مهرجان ضخم، وسوق للميلاد، في ظل أجواء ميلادية لها رونق خاص. وسبقت الناصرة بيت لحم باحتفالاتها هذه بأسبوع، وذلك كي يتسنى لأهل الداخل الفلسطيني، المشاركة في احتفالات مدينتهم، ثم الانتقال إلى بيت لحم، وقضاء عطلة العيد في مدينة المهد، وهو ما اعتيد دائماً، حيث يشكل الفلسطينيون من فلسطين المحتلة عام 1948، الحركة الرئيسية والدخل الأساسي لبيت لحم في العيد.
برنامج الناصرة حفل بالكثير من البرامج، التي لم تشهدها من قبل مدينة المهد، بيت لحم؛ فإضاءة الشجرة كانت بمشاركة شخصيات سياسية وثقافية وفنية من فلسطينيي الـ48.
كذلك شهدت الأيام الأربعة التي تلتها برامج في ساحة المدينة الرئيسية، العين، بحيث نُصبت شجرة ضخمة مخصصة للحدث، وأعقب كل حفل نزول الآلاف من الزوار إلى سوق الميلاد، الذي شهد وجوداً لمدن الضفة الغربية ومنتجاتها، وخصوصاً اليدوية منها، دعماً من فلسطينيي الداخل لأهلهم واقتصادهم في مدن الضفة الغربية.
أما بيت لحم، تلك المدينة الصغيرة بعدد السكان، فتكتسب أهمية عظيمة لدى المسيحيين؛ لأنها مسقط رأس يسوع المسيح، إضافة إلى وجود العديد من الكنائس فيها، أهمها كنيسة المهد، التي بناها قسطنطين الأكبر فوق كهف أو مغارة، يُعتقد أنها الإسطبل الذي وُلد فيه المسيح. كذلك يُعتقد أن هذه الكنيسة هي أقدم الكنائس في العالم.
وهناك، نُصبت شجرة العيد إلى جانب الساحة الرئيسية لكنيسة المهد، التي أضاءها الرئيس محمود عباس، وجُهزت المنصة الخاصة بالاحتفالات. فيما نصبت مدينتا بيت جالا وبيت ساحور شجر العيد، التي اعتاد حضور إضاءتها رئيس الوزراء سلام فياض، وزينت شوارعها استعداداً للعيد، واستعداداً لاستقبال آلاف الزوار كما كل عام.
مع ذلك، كان لأجواء الميلاد في الناصرة طعم آخر؛ فهناك وُضعت الزينة في كل مكان، وبأشكال جميلة وغريبة صممها مهندسون مختصون، فيما كانت هناك عشوائية ملحوظة في زينة بيت لحم. في مدينة المهد، تظهر أجواء عيد مصطنعة على عكس الناصرة، حيث يوجد برنامج يومي على منصة الاحتفالات الرئيسية، تعلو الموسيقى فيها منذ ساعات الصباح وحتى منتصف الليل.
وحول عملية التزيين وإضاءة شجرة الميلاد في بيت لحم، يقول عضو بلدية بيت لحم، مسؤول تنظيم الاحتفالات في المدينة، ماهر قنواتي، لـ«الأخبار»: «رغم أننا تسلمنا إدارة البلدية قبل نحو شهر من اليوم، ولم يكن هنالك خطة عمل وأموال مخصصة لزينة العيد، إلا أننا نجحنا في إخراج المدينة بأبهى حلة».
وتشهد بيت لحم ليلة العيد الحضور الأكبر في المدينة بعدد الناس، حيث تستقبل عشرات الآلاف من الزوار الفلسطينيين والأجانب، منذ ساعات الصباح الباكر، ثم استقبال البطريرك عند ساعات الظهيرة، لتبلغ ذروة الاحتفالات عند منتصف الليل، مع قداس الميلاد، ما يجعل مهمة حفظ الأمن هي الأصعب، وخصوصاً أن ساحة المهد لها خمسة مداخل، بينما ينقسم الأمن لحماية الرئيس ورئيس الحكومة ووزرائه والبطريرك، فؤاد طوال، إضافة إلى عموم المواطنين.
وقد استكملت الشرطة الفلسطينية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، استعداداتها لتنظيم احتفالات أعياد الميلاد في مدينة بيت لحم، كما أكّد لـ«الأخبار» مدير شرطة محافظة بيت لحم المقدم، علاء الشلبي.
انتعاش سياحي
يتوقع أن يصل عشرات الآلاف من الحجاج المسيحيين والسياح من مختلف دول العالم إلى مسقط رأس المسيح في ليلة الميلاد، وأُعلن رسمياً أن كل الغرف الفندقية في المدينة، البالغ عددها 3700 غرفة في فنادق المدينة ممتلئة تماماً، فيما يتوقع وصول آلاف آخرين ليوم واحد، على أن يعودوا للمبيت في فنادق القدس المحتلة.
وقال جورج رشماوي، من مؤسسي حركة «السياحة البديلة» لـ«الأخبار»، إن «90 في المئة من السياحة إلى بيت لحم تُسيطر عليها إسرائيل، حتى إنّه يُحذَّر سياح كثيرون من المجيء إلى الضفة الغربية، وهم يخشون اجتياز الجدار الإسرائيلي، جدار الفصل العنصري الذي يفصل مدينة المهد عن القدس المحتلة». وأضاف: «صحيح أنّ الفنادق في بيت لحم ستكون مليئة في عيد الميلاد، ولكننا نحتاج لمجيء عائلات إلى هنا على مدار السنة ليمشوا في شوارعنا ويأكلوا في مطاعمنا؛ لأن بيت لحم هي رمز للأمل والسلام».
ورغم العدوان الأخير على قطاع غزة، وإلغاء الكثير من الحجوزات للوفود السياحية والحجيج الديني، فإن وزارة السياحة والآثار أكدت أن السياحة في فلسطين في تحسن مستمر، وخصوصاً خلال العام الجاري الذي زاد فيه عدد السياح قرابة 20 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وأنه يتوقع أن يصل عدد السياح الذين يزورون فلسطين مع نهاية العام نحو مليونين و 400 ألف سائح.
أهل غزة في مدينة المهد
مسيحيو قطاع غزة ليسوا بعيدين عن أجواء الميلاد في بيت لحم، لكنّهم محكومون بتصاريح خاصة تصدرها لهم سلطات الاحتلال، التي تفرض قيوداً أيضاً على الأعمار التي يسمح لها الخروج من القطاع؛ إذ سمحت سلطات الاحتلال لـ 557 مسيحياً فقط من غزة بالمغادرة إلى الضفة الغربية للمشاركة في احتفالات أعياد الميلاد المجيدة عبر معبر بيت حانون «ايرز».
وأكدت مصادر في الارتباط الفلسطيني لـ«الأخبار»، أن «الجانب الإسرائيلي سلمنا 557 تصريحاً لمسيحيي غزة الذين سيغادرون إلى الضفة للمشاركة في أعياد الميلاد، سواء للمسيحيين الغربيين أو الشرقيين». وأضافت أن «التصاريح ستبدأ من صباح 24 حتى الثامن من كانون الثاني 2013، فيما لم يطرأ أي تغير على سنّ المغادرين، حيث إن إسرائيل تمنع مغادرة المسيحيين لقطاع غزة من الفئة العمرية من سن 16 حتى 35 عاماً».



غصّة الاحتلال وفرحة الانتصار

رغم أنّ رسالة الميلاد، بالنسبة إلى الجميع هي «رسالة محبة وتسامح وتآخٍ، حيث جاء السيد المسيح إلى الأرض الفلسطينية وللعالم أجمع يبشر بالحب وينشر الحب في إرجاء العالم»، إلا أنّ كثيرين يعتقدون أن هذه الفرحة لن تكتمل إلا بعودة مبعدي كنيسة المهد، الذين شهدوا حصار الكنيسة، وبالإفراج عن الأسرى من سجون الاحتلال.
المواطن أسامة عيسى من بيت لحم، يقول لـ«الأخبار»: «رغم كل الأجواء الايجابية التي ترونها في المدينة، إلا أننا أهل البلد نعاني كثيراً، والسبب الرئيسي في ذلك هذا العام، هو انقطاع الرواتب بسبب القرصنة الإسرائيلية على أموالنا». ويضيف: «لم أستطع شراء ملابس جديدة لأطفالي، كذلك إن ضيافة العيد مفقودة، فلم يصلنا سوى نصف راتب عن الشهر الماضي، وهو بالكاد يسدّ التزاماتنا الرئيسية؛ لأن العيد مصروف إضافي خلال هذا الشهر من كل عام».
رغم كل ذلك، يقول أسامة: «إلا أنه لا يمكنني إلا أن أشعر بالفخر في بلدي، بوصول عشرات الآلاف إلى مدينة بيت لحم للاحتفال بعيد الميلاد، وحصولنا على اعتراف دولي بدولتنا فلسطين، وهو ما يعطينا الأمل بغد أفضل».