حصار المحكمة الدستورية العليا. حصار مدينة الإنتاج الإعلامي. حريق حزب الوفد. محاصرة مقر التيار الشعبي. إلقاء النار والحجارة على نادي قضاة مصر ورئيسه المستشار أحمد الزند. هي بعض من المشاهد التي شهدتها مصر أخيراً بعد اعتلاء الإسلاميين سدة الحكم، الأمر الذي ينذر بتراجع عقارب الساعة الى الوراء لتخيم على المشهد أجواء بداية الثمانينيات، حيث ذروة عنف الجماعات الإسلامية. فعقب انتهاء أعمال الجمعية العمومية الطارئة التي عقدها نادي قضاة مصر لأعضاء النيابة العامة، أول من أمس، للاعتراض على تراجع النائب العام المستشار طلعت عبد الله عن الاستقالة، والتي خلصوا خلالها الى أنهم «لن يتمكنوا من التعامل مع نائب عام يمتثل لمشيئة المرشد العام للإخوان المسلمين»، تعرض المستشار أحمد الزند رئيس نادي قضاة مصر لاعتداء من قبل عدد من الأشخاص. المعتدون تربصوا به أثناء خروجه من النادي بصحبة عدد من وكلاء النيابة، وأطلقوا الرصاص في الهواء قبل أن يرشقوه بالحجارة، الأمر الذي أسفر عن تعرضه لإصابة سطحية في رأسه، بعدما تمكن أعضاء النيابة بمساعدة حرس النادي من حماية الزند من طلقات الأعيرة النارية والقبض على ثلاثة من المعتدين، الذين كشفت بطاقات هويتهم عن حمل أحدهم الجنسية الفلسطينية.
الزند رأى أن ما تعرض له من هجوم هو أمر مخطط له بغرض إسكات النادي وقضاته عن الدفاع عن المشروعية والدستور. وأضاف «كلنا فداء مصر حتى تعود مطمئنة سالمة، وإن مات الزند فهناك 90 مليون زند».
الهجوم على الزند أثار غضب كل من القضاة والقوى السياسية التي اعتبرت أن ما تعرض له الزند يكشف عن أن مصر تسير في اتجاه العنف، وأن هناك حالة من الاستقواء لدى الإسلاميين. ورأى الإعلامي، العضو المؤسس في التيار الشعبي، حمدي قنديل، أن «الاعتداء على المستشار أحمد الزند يعني أن الإسلاميين قرروا الاستقواء بالدستور لتصفية معارضيهم»، فيما رأى رئيس حزب الدستور محمد البرادعي، أن ما تعرض له الزند يكشف عن افتقار المصريين الى مقومات الدولة، متسائلاً «هل هناك دولة ؟».
أما حزب «الوفد»، فرأى أن الهجوم على نادي قضاة مصر ورئيسه بعد أيام قليلة من الاعتداء على الحزب وإحراق مقره هو استمرار لحالة الفوضى والانفلات التي تعيشها البلاد في ظل غياب السلطة، التي تجبر الكافة على احترام القانون.
موقف القضاة عبر عنه المستشار يسري عبد الكريم، الرئيس في محكمة استئناف القاهرة، الذي رأى أن ما تعرض له الزند هو مسلسل للاعتداء على شعب مصر بأكلمه، بدأ بضرب جنود وضباط الجيش في شمال سيناء والاعتداء على ضباط الشرطة في شمال سيناء، ثم توّج بالاعتداء على المحكمة الدستورية العليا والنائب العام السابق، المستشار عبد المجيد محمود، في صورة غير مسبوقة، لضرب دولة القانون.
أما رئيس نادي مستشاري مجلس الدولة، حمدي ياسين، فوصف ما تعرض له رئيس نادي قضاة مصر بأنه اعتداء مخطط يماثل الاعتداء الواقع والمستمر على المحكمة الدستورية العليا لمنع قضاتها من مباشرة عملهم، مطالباً رئيس الجمهورية ووزارة الداخلية باتخاذ الإجراءات اللازمة لسرعة القبض على «العصابة» التى تصدت لقضاة مصر.
في غضون ذلك، لم تكشف تحقيقات النيابة العامة حتى أمس عن وقائع جدية بشأن قضية الزند. فالمتهمون الثلاثة الذين ألقي القبض عليهم أثناء الهجوم على الزند أنكروا ارتكابهم لواقعة التعدي. وقالوا خلال تحقيقات النيابة إنهم لا ينتمون إلى أي فصيل أو تيار سياسي بعينه. وشددوا على أن وقفتهم كانت سلمية واقتصرت على الهتافات ضد أعضاء النيابة والقضاة أثناء عقد مؤتمرهم في نادي القضاة بوسط القاهرة. وأشاروا إلى أن هناك مجموعة أخرى من الشباب هم من اعتدوا على الزند، وتمكنوا من الهرب. وبسؤال المتهم الفلسطيني عن سبب وجوده في المكان، أفاد بأن أحد أصدقائه طلب منه مرافقته، وكان يقف مع أصدقائه ولم يهتف ضد أحد. وهو ما قررت على أثره النيابة حبس المتهمين 4 أيام على ذمة التحقيقات.
وفسر المحامي حافظ أبو سعدة هذه الخطوة بالقول إن «نتيجة التحقيقات قد لا تؤدي إلى شيء»، متوقعاً أن مصر على أعتاب مرحلة خطيرة تتمثل في الاعتداء على المعارضين باستخدام الإرهاب لتصفيتهم، ومنهم أعضاء الهيئة القضائية.