رام الله | «لولاكم لما كان لنا كرامة»، هكذا يصف الفلسطينيون الأسرى في سجون الاحتلال، ولا سيما المضربون منهم عن الطعام، الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية دون كلل، منهم من جاوز مئة وسبعين يوماً، ومنهم من لا يزال في بداية الطريق، والهدف هو الحرية التي لطالما حلموا بها، ولطالما أراد الاحتلال حرمانهم منها، وكسر إرادتهم التي أثبتوا أنّها لا تنكسر حتى بأمعاء خاوية.
خمسة أسرى فلسطينيين مستمرون في الإضراب عن الطعام، هم الأسير أيمن الشروانة (36 عاماً) من بلدة دورا قضاء الخليل مضرب منذ 173 يوماً، والأسير سامر العيساوي (33 عاماً) من العيساوية قضاء القدس مضرب منذ 142 يوماً، والأسير جعفر عز الدين (41 عاماً)، والأسير طارق قعدان (40 عاماً)، وكلاهما من بلدة عرابة قضاء جنين، والأسير يوسف شعبان شافع ياسين (29 عاماً) من قرية عانين قضاء جنين.
أيمن الشروانة يعيش بكلية واحدة، وتوقّفت قدمه اليسرى عن الحركة بشكل تام، بينما يتقيأ ويبول سامر العيساوي الدم، ويعاني صعوبة في التحرك، إضافة إلى عزل الاحتلال.
الشروانة الذي كان يقضي حكماً بالسجن لمدة 38 عاماً، بعدما نفذ عملية في بئر السبع أصاب فيها 24 إسرائيلياً واعتقلته قوات الاحتلال وهو في طريق العودة، أُفرج عنه ضمن صفقة شاليط، بعدما قضى عشر سنوات منها، لكن قوات الاحتلال أعادت اعتقاله من جديد في 31 كانون الثاني العام الماضي، الأمر الذي دفعه إلى الإضراب عن الطعام حتى نيل الحرية.
ويؤكد شقيقه جهاد لـ«الأخبار» أنّ وضعه الصحي بالغ الخطورة، وأنّ المحامي أبلغهم أنّه لا يملك سوى التنفس فقط، بعدما فقد كل قدراته على الحركة، بينما هو مضرب عن الطعام منذ الأول من تموز من العام الحالي، من دون حكم، أو حتى موعد لجلسة في المحكمة.
بدورها، استذكرت زوجته نبيلة معاناتها خلال الأسر الأول، حينما كانت تنتظر عاماً كاملاً لزيارته 40 دقيقة فقط، فيما لم تدم فرحة الإفراج، حيث دهمت قوات الاحتلال منزله وحاصرته وأخرجت زوجته والأولاد، تحت المطر، قبل أن تعتقله من جديد.
أما الأسير سامر العيساوي، الذي انعقدت محكمته أمس، فقد اعتدت عليه وعلى عائلته قوات «النحشون» ورجال من حرس المحاكم الإسرائيلية بالضرب، عندما حاول إلقاء التحية على العائلة أثناء دخوله المحكمة. وقال مدير الوحدة القانونية في نادي الأسير الفلسطيني، المحامي جواد بولص، إن الأسير العيساوي أُحضر إلى القاعة من أجل سماع رده على لائحة الاتهام وكان مكبل اليدين والقدمين، وعندما اقترب من قاعة المحكمة، حيث كانت العائلة تنتظره، حاول أن يلقي التحية، إلا أن حرس المحاكم وقوات «النحشون» انهالوا عليه وعلى عائلته ضرباً، وأدخلوه إلى قاعة المحكمة في حالة صعبة للغاية. وتم اعتقال شقيقته المحامية شيرين.
واتهمت والدة العيساوي المسؤولين الفلسطينيين بالتقصير تجاه قضية الأسرى المضربين، مشيرةً إلى أنهم ألهوا الشعب الفلسطيني بقضايا حياتية، بعيداً عن القضايا الوطنية المهمة كالأسرى والقدس. وبعد رؤيتها لنجلها في محكمة الاحتلال، قالت العيساوي «لم أكن أتوقع أن أراه في هذه الصورة، فقد رأيته ووضعه الصحي صعب للغاية، فقد كان جلداً على عظم بعد فترة طويلة من الإضراب عن الطعام، كما رفضت المحكمة أن نسلم على سامر».
أما الأسير جعفر عز الدين، فهو شقيق الأسير المحرر في صفقة التبادل الأخيرة طارق عز الدين، الذي أفرج عنه إلى قطاع غزة وكان محكوماً بالسجن المؤبد. ورغم إضرابه المتواصل عن الطعام، فإن معنوياته عالية وذهنه صاف، لكن جسمه لا يكاد يقوى على الوقوف، حتى إنه غير قادر على أداء الصلاة وقوفاً.
وبحسب عائلته التي تحدثت إلى «الأخبار»، فقد قال لهم «لم أختزل هذا الإضراب فقط لشخصي أو قضيتي، بل نصرة لإخواني الإداريين، وللإخوة المضربين عن الطعام لإنهاء هذا الملف الظالم والجائر، ونحن نرى أن النصر قريب بإذن الله».
الأسير طارق قعدان يعاني من الاعتقال إحدى عشرة مرة في السابق، وقضى ما مجموعه عشر سنوات متنقلاً في السجون المركزية والمعتقلات الإسرائيلية، حيث يحظى باحترام واسع في أوساط الحركة الوطنية الأسيرة. وبخصوص وضعه الصحي، قالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إن «الآلام بدأت تظهر جلياً بعد الفحوصات، وتتحول لتكون سلبية يوماً بعد يوم، ووزنه في هبوط مستمر يومياً، ونسبة السكر تقل يوماً بعد يوم».
لكن الأسرى الخمسة ليسوا وحدهم في هذه المعركة، فقط أُطلقت حملة إلكترونية هي الأكبر نصرة لقضيتهم، ومساندة لإضرابهم عن الطعام، حيث يشارك في الحملة مئات الصفحات الاجتماعية والمواقع الإلكترونية، وتهدف إلى التعريف بقضية الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام، وتوسيع حملة التضامن معهم والوقوف إلى جانبهم.
وأطلقت الحملة الشبكة الأوروبية تحت عنوان «أنا مع العدالة... وأدعم أسرى فلسطين»، وأكد القائمون عليها أن الفكرة أتت لمساندة الأسرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال بمشاركة عشرات الصفحات الفلسطينية وأخرى عربية. وأضافوا أنّ عدد المشاركين في صفحات «فايسبوك»، التي أطلقت الحملة، يفوق 10 ملايين متابع حول العالم، مشيرين الى أن هدف الحملة هو إعادة تفعيل قضية الأسرى المضربين عن الطعام بعد الإهمال الرسمي والشعبي وعدم الالتفات إليها.
من جهته، أكد وزير الأسرى والمحررين الفلسطيني، عيسى قراقع، ضرورة تأليف لجنة قانونية لاستثمار الاعتراف بفلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة، واستخدام كل الآليات والأدوات القانونية لحماية حقوق الأسرى، وذلك من خلال الانضمام إلى الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وطالب قراقع بتقديم طلب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستصدار رأي استشاري من محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن الوضع القانوني للأسرى الفلسطينيين، والالتزامات القانونية الناشئة بشأنهم والتزامات المجتمع الدولي لمواجهة الانتهاكات والخروقات.



نفي استشهاد أي أسير


نفى رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس، أمس، استشهاد أي أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مبيناً أن المتوفى في سجن أوهل كيدار هو سجين جنائي يهودي. بدورها، أكدت مصلحة سجون الاحتلال الاسرائيلية أن «السجين الذي تُوفي ظهر اليوم (أمس) ليس فلسطينياً، بل يهودي، وكان قد أقدم على الانتحار». وكان وزير شؤون الاسرى والمحررين، عيسى قراقع (الصورة)، قد أعلن في وقت سابق أن أسيراً استُشهد في أحد السجون الاسرائيلية في الجنوب، حسبما ذكرت الشبكة الإذاعية «أجيال». وأشار إلى أن إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية أبلغت عن وجود شهيد بين الأسرى في سجن «أوهل كيدار» ببئر السبع المحتلة. وحسب قراقع، فإن عدد الأسرى الأمنيين في هذا السجن قليل، في إشارة إلى إمكان أن يكون الشهيد بين الأسرى الجنائيين. لكنه أكد أن الشهيد ليس واحداً من الأسرى الخمسة المضربين عن الطعام، وهم موجودين حالياً في ما يسمى عيادة سجن الرملة، مؤكداً في الوقت نفسه أنه جرى أمس الاعتداء على الأسير سامر العيساوي خلال إحضاره إلى المحكمة بمحكمة الصلح في القدس المحتلة.