لم يكن أحد يتوقّع مثل هذا السقوط المدوي والسريع لمخيّم اليرموك، وخضوع أجزاء واسعة منه لسيطرة الجيش الحر وتنظيمات إسلامية معارضة. آخر الأخبار الواصلة من أرض المخيّم، تؤكد استمرار المواجهات المسلحة، وسماع أصوات إطلاق نار من وقت لآخر، أما المناطق الجنوبية المحاذية لأحياء التضامن والعروبة والتقدم، فتعرضت لقصف عنيف جداً، في وقت تبادلت فيه الفصائل الفلسطينية الاتهامات والمسؤولية حول المعارك في المخيّم. حالة الانقسام في علاقة الفصائل مع النظام السوري، عادت لتطفو على السطح مرة أخرى، في الوقت الذي نالت حركة حماس النصيب الأكبر من الاتهامات التي تقول «إن عناصر مسلحة من الحركة ما زالت موجودة على أرض مخيم اليرموك، عملت على مساعدة الجيش الحر في حربه ضد اللجان التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة، والسيطرة لاحقاً على المخيم». إلا أن مسؤول العلاقات الدولية في حركة حماس، أسامة حمدان، أكد، في حديث تلفزيوني، أنّه «لا يمكن تبرير قصف مخيّم اليرموك بالقول إنّ هناك طرفاً ما قاتل إلى جانب معيّن»، وأكّد أنّ «ما جرى في المخيّم أمر مدان ومرفوض ومستنكر، ولا سيما أن الشهداء كلهم من الفلسطينيين». كما جزم أنّ «ليس هناك أحد من حركة حماس شارك بالقتال في سوريا».
من جهته، طالب رئيس هيئة التنسيق الوطنية السورية، هيثم مناع، جميع أطياف الفصائل الفلسطينية بالتزام سياسة «النأي بالنفس. والتزام الحياد وعدم التدخل في الأزمة السورية»، في حين أشار المسؤول الإعلامي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة، أنور رجا، إلى أنّ «لا أحد من عناصر الجبهة تدخّل في الحرب السورية. لا أحد منهم قام بنشاط خارج حدود المخيمات الفلسطينية».
ميدانياً، نفّذ الطيران الحربي السوري غارات جوية على مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بعد ظهر أمس، وذلك بعد ساعات من سيطرة مقاتلين معارضين على أجزاء كبيرة من المخيم. وحقّق مسلحو المعارضة السورية تقدماً على الأرض داخل مخيّم اليرموك، لكن الجيش يحضر هجوماً مضاداً واسع النطاق، بحسب الصحف السورية المقرّبة من النظام، ما دفع بالسكان إلى نزوح كثيف.
وقال أحد سكان المخيّم إنّ «مئات من عناصر الجيش السوري الحر متواجدون» داخل المخيم، وإنّ معظمهم قدم من أحياء مجاورة، لا سيّما الحجر الأسود ويلدا. كما أشار إلى دعوات وجّهت من مساجد المخيّم عبر مكبّرات الصوت إلى السكان ليغادروا المكان. وأضاف أنّ الجيش السوري أمهل السكان حتى منتصف يوم أمس لأخذ أغراضهم والرحيل. إلّا أنّه قال لوكالة «فرانس برس» إنّه لم يلحظ تواجداً للجيش السوري في محيط المخيّم.
وتابع الشاهد أنّ «البعض قرّر الامتثال للانذار، والبعض الآخر قرّر البقاء». وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، فإنّ مسلحي المعارضة يحاولون السيطرة على المخيّم، وطرد المقاتلين الفلسطينيين المؤيدين للنظام السوري منه. وأفاد المرصد، صباح أمس، عن «اشتباكات عند أطراف مخيّم اليرموك ومنطقة الحجر الأسود بين القوات النظامية وعناصر اللجان الشعبية التابعة للجبهة الشعبية ــ القيادة العامة من جهة، ومقاتلين من عدة كتائب مقاتلة بينهم فلسطينيون أيضاً». وأسفرت الاشتباكات، بحسب المرصد، «عن احراق آلية ثقيلة للقوات النظامية وسقوط خسائر بشرية في صفوف الطرفين».
من ناحية أخرى، منع الجنود السوريون المرور عند المدخل الشمالي للمخيم، فيما كان زهاء مئة رجل وطفل يستعدون لمغادرة المكان، كما أفادت وكالة «فرانس برس». وقال فلسطيني من سكان المخيّم، قدّم نفسه باسم أبو السكن، لوكالة «فرانس برس»، عبر «سكايب»، إنّ المقاتلين من الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة انسحبوا إلى ما وراء مواقع الجيش السوري، فيما «انضم فلسطينيون آخرون إلى الثوار». ورأى أنّ «وضع الجيش الحر الاستراتيجي جيّد في المخيم، وأنّ عناصره دخلوا من الجهة الجنوبية، وبات في امكانهم ادخال تعزيزات». كما أشار إلى أزمة انسانية حادة في اليرموك الذي يخلو من المستشفيات، و«الطرق فيه باتت غير آمنة».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)