دمشق | اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على أبواب نكبة جديدة. ما يؤكد الكلمات السابقة هو المشهد الذي يعيشه سكان مخيّم اليرموك، الذي تحوّل في الساعات الماضية إلى ساحة حرب مفتوحة على جميع الجهات، بعد سيطرة عناصر من الجيش الحر ومقاتلين إسلاميين متشددين على مساحات واسعة من المخيّم، وخضوع أحياء كاملة لسيطرتهم، مع استمرار المواجهات المسلحة مع فلول عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة. كما تناقلت أنباء متضاربة عن سقوط مجمع الخالصة، أكبر وأهم معاقل فصيل «القيادة العامة» وسط المخيم، بعد مواجهات ضارية مع عناصر الجيش الحر، انشق على أثرها عدد كبير من كوادر التنظيم الفلسطيني، وأعلنوا انضمامهم إلى الجيش الحر. حالة من الرعب والخوف عاشها سكان المخيّم في الأيام الماضية، زاد من وقعها حجم الدمار الهائل والموت المجاني الذي لحق بالمخيّم، نتيجة القصف بمدافع الهاون من جانب الجيش الحر، وقذائف المدفعية وصواريخ الطائرات الحربية التابعة للجيش السوري النظامي. القصف المتبادل حصد عشرات القتلى والجرحى، وخلّف خسائر مادية كبيرة، ما تسبّب بحالة نزوح كبيرة قدّرت بآلاف العائلات، التي قررت أخيراً الخروج من بيوتها والبحث عن ملجأ آمن، حاملة معها ما تيسّر من حاجيات، في مشهد يعيد إلى الذاكرة صور نكبة عام 1948، مع اختلاف بسيط يزيد هول المشهد مرارة وحزناً، إذ إنّ المخيّم يُقصف بنيران أطراف متناحرة على سلطة أغرقتها الأحداث الدامية بدماء الأبرياء.
صباح أمس، استفاق سكان مخيّمات: خان الشيح، السبينة وجرمانا على وصول عشرات الآلاف من النازحين من مخيّم اليرموك. بعضهم استقل شاحنات كبيرة على نحو جماعي، والبعض الآخر وصل سيراً على الأقدام بعدما تقطعت بهم السبل. «لا يمكن وصف المشهد، أو الحالة المأسوية المرعبة، التي رافقت وصول النازحين. عائلات كاملة افترشت الأرصفة والشوارع في انتظار من يساعدها»، يخبرنا أدهم (25 عاماً) أحد الشباب الناشطين في مخيّم خان الشيح. ويضيف «أعداد كبيرة جداً وصلت إلى المخيّم هذه المرة، لا يمكن مقارنتها مع حجم النزوح الذي استقبلناه في الأشهر الماضية. عملنا على فتح جميع مدارس وكالة الغوث، والجوامع والبيوت لاستقبال النازحين». وأكد لـ«الأخبار» أنّ مساعدات كثيرة قدّمت من أهالي المخيم، مع غياب كامل لدور المنظمات الدولية أو الشعبية أو حتى فصائل المقاومة الفلسطينية، و«ما يزيد حجم المعاناة هذه المرة هو البرد القارس، وعدم قدرتنا على إيجاد وسائل تدفئة تحدّ من قسوته».
وتعالت أصوات المآذن لطلب مساعدة النازحين لتقديم البطانيات والحاجيات الأساسية، وما تيسّر من طعام وخبز في حال توفره. مخيم خان الشيح، الصغير نسبياً، وجد نفسه أمام عدد هائل من اللاجئين، وعلى سكانه توفير متطلبات يعجزون عن تلبيتها. فحجم النزوح قارب عدد سكان المخيم البالغ زهاء 25 ألفاً.
المئات تجمعوا أمام فرنَي المخيم، في انتظار الحصول على رغيف الخبز. أما شباب المخيم فقد وقفوا عاجزين عن مساعدة من دخل مخيمهم للاحتماء، فالغالبية العظمى منهم تحولوا إلى باعة بسطات خضر، نتيجة الأحوال المادية الصعبة التي فرضتها الحرب المستعرة في البلاد. يقول نضال (33 عاماً)، أحد سكان المخيّم الذي استقبل أسرتين في منزل عائلته الصغير، «كيف لنا أن نساعد ونعين أهلنا الذين استجاروا بنا، ونحن لا نجد قوت يومنا؟». أما الكاتب الفلسطيني رائد وحش فيصف واقع المخيّم الذي يقطنه بالقول «أُفرغت مدارس وكالة الغوث الدولية من الطلبة في مخيّم خان الشيح، بعد إعلان تعليق التعليم فيها، لتؤول الصفوف إلى مهجري مخيم اليرموك، بعدما كانت في رمضان الماضي لمهجري مناطق الحجر الأسود والسيدة زينب والتضامن». الفصل الجديد في «التغريبة الفلسطينية» ممهورٌ بختم الدم السوري. حالة النزوح غير المسبوقة الواصلة إلى مخيّمات الشتات الفلسطيني على الأراضي السورية، رافقها احتشاد الآلاف أمام فرع الهجرة والجوازات، الواقع في منطقة عين كرش وسط العاصمة دمشق، للحصول على تصريح سفر إلى لبنان، الذي تفرضه أجهزة الأمن السورية واللبنانية على حد سواء، على جميع اللاجئين الفلسطينيين الراغبين في دخول الأراضي اللبنانية. «كان قرار صعباً، اتخذته مع عائلتي عندما حسمنا أمرنا بالتوجه إلى مخيّم عين الحلوة جنوب لبنان، والإقامة عند أقاربي هناك. لا أملك المال الكافي للسفر، ولست قادراً على ضمان تأمين عمل في لبنان لأعيل به عائلتي، لكن مشاهد الموت بعد قصف مسجد عبد القادر الحسيني كانت كافية لمغادرة المخيم إلى غير رجعة»، يروي أبو محمد (43 عاماً)، الذي يجب عليه الانتظار بضعة أيام للحصول على التصريحات الأمنية له ولأفراد عائلته السبعة. ويضيف «على ما يبدو أنّ أطراف الصراع المسلح ستعمل على تحويل مخيّم اليرموك إلى ما يشبه منطقة بابا عمرو في حمص، أو منطقة داريا في الأيام المقبلة. الجيش الحر سينطلق لتنفيذ عملياته من المخيم. أما الجيش السوري النظامي فسيعمل على دكه بكل أنواع القذائف والصواريخ».
سياسياً، ردّ وزير الخارجية السوري وليد المعلم على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أشار إلى «تصعيد خطير» في النزاع في سوريا بعد قصف مخيم اليرموك. وأشار المعلم إلى أنّ «الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مسؤولان تجاه حالة الإحباط التي يعيشها الفلسطينيون، لعدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني». وأضاف «ما تقدّمه سوريا للإخوة الفلسطينيين منذ عقود لم تقدمه أيّ من الدول المضيفة لهم».
وكان بان قد حذّر من أنّ الهجمات على المدنيين قد ترقى إلى «جرائم حرب». ونقل عنه الناطق باسمه مارتن نيسيركي أنّه «قلق من استمرار التصعيد الخطير للعنف في سوريا، والأخطار الكبيرة التي يواجهها المدنيون في المناطق التي تشهد إطلاق نار».
في السياق، حمّل الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، السلطات السورية مسؤولية أمن المخيّمات الفلسطينية، معرباً عن «قلقه البالغ» لأعداد الضحايا الفلسطينيين. وحذر من مخاطر إقحام المخيمات الفلسطينية في النزاع الدائر في سوريا. ودعا السلطات السورية وكل الأطراف المتنازعة إلى «المحافظة على أمن اللاجئين الفلسطينيين، وعدم إقحامهم في الصراع الدائر، وتجنيبهم مخاطر الاقتتال والتهجير والنزوح وتوفير الحماية اللازمة لهم».