أنهت قوى تيار الإسلام السياسي المؤيدة لمشروع الدستور كافة استعداداتها لحشد جماهيرها ومؤيديها وباقي طوائف الشعب المصري للتصويت بـ«نعم»، مستخدمة عدداً من الأساليب الدعائية انصبّت غالبيتها على عقد المؤتمرات الشعبية وتوزيع المطبوعات والملصقات. وعقدت الدعوة السلفية عدداً من المؤتمرات في جميع أنحاء الجمهورية لكبار مشايخها ودعاتها، لتؤكد فيه أن الدستور يحمي الشريعة الإسلامية وأنه أفضل دستور شهدته مصر، فيما أطلقت جماعة الإخوان المسلمين عدداً من الحملات حملت عنوان «دستور صح». وقال المتحدث باسم الجماعة في الإسكندرية، أنس القاضي، لـ«الأخبار» إن الحملة أنشأت 50 نقطة توعية بشوارع المحافظة، فضلاً عن توزيع مليون نسخة من مطبوعة حملت عنوان «بيقولوا»، للرد عمّا سماها الشبهات التي تدور عن الدستور، فضلاً عن تعريف المواطنين في المطبوعة نفسها بحقوقهم التي يمنحها الدستور الجديد لهم، مع عقد 16 ندوة في المحافظة، ووجود مجموعات تواصل مباشرة مع الجماهير بالشارع وفي المقاهي والتجمعات.
وأشار القاضي إلى أنه جرى لصق 50 ألف ملصق يحمل شعار «هوية إسلامية وأصالة مصرية» في شوارع الإسكندرية، لافتاً إلى إصدار الجماعة بياناً عممته تدعو فيه المصريين إلى النزول للاستفتاء، مهما كان رأيهم، مبينةً فيه مزايا الدستور الجديد.
واستنكر القاضي استخدام المنابر في الدعوة للتصويت بـ «لا» أو «نعم»، قائلاً إنّ «المنبر وظيفته أن يقرب بين الناس وربهم»، مشدداً على أن الخطيب «من الممكن أن يدعو الناس للإيجابية والنزول للتصويت لكن دون توجيه».
أما في اليوم الانتخابي، فمن المقرر أن تنشئ جماعة الإخوان، بالاشتراك مع حزبها الحرية والعدالة، غرف عمليات لمتابعة التصويت، إضافة إلى لجان نوعية تختص بالحشد وعد الجماهير والدعاية والمراقبة أمام أبواب اللجان، فضلاً عن لجان أو مجموعات «ردع» للحماية في ظل التوترات المصاحبة للاستفتاء على الدستور.
ورغم اعتياد جماعة الإخوان إجراء استطلاعات رأي لجس نبض الشارع المصري، إلا أن أنس القاضي أشار إلى أن ضيق الوقت لم يتح للجماعة إجراءها، لكنه في الوقت نفسه توقع أن تكون النسبة الأعلى في الاستفتاء لمصلحة اختيار «نعم». وفيما رفض القاضي أن تكون هناك نسبة محددة تتوقعها الجماعة في ظل الحراك السياسي الحاصل بالشارع المصري، إلا أن مصدراً مقرباً من قيادات الجماعة في المحافظة توقع أن تصل نسبة التصويت بـ«نعم» إلى 80%.
ورغم إنهاء الإخوان ومعهم التيارات الأخرى للإسلام السياسي استعداداتهم، إلا أن المشهد العام للساحة المصرية يحمل في طياته العديد من السيناريوات التي قد تجعل الرياح تأتي بما لا يشتهي الإسلاميون. فالاشتباكات الدموية في عدد من المحافظات، تُضاف إليها الحملة المكثفة التي امتدت لقنوات وصحف شهيرة للدعوة بالتصويت بـ«لا» والتحرك القوي على الأرض للمعارضين، جعل السيناريوات المتعددة تطفو بقوة على السطح.
فالسيناريو الأول هو أن يحول هذا الاحتقان والغل المتبادل بين الأطراف المتصارعة يوم الاستفتاء إلى يوم صدامي، ولو على نطاق ضيق، بما يفتح الباب للجدل بشأن تهديد شرعية الاستفتاء على الدستور إن تفاقم الأمر وسقط ضحايا، وخاصة في النقاط البعيدة عن اللجان الانتخابية، التي من المقرر أن يؤمنها الجيش والشرطة معاً، وهو ما قد ينذر بتأجيل الاستفتاء أو إلغائه، وخاصة أن الاستفتاء سيجري على مرحلتين، أي ستمر سبعة أيام بين محافظات المرحلة الأولى والمرحلة الثانية، وهي مدة طويلة في ظل الاحتقان السائد والتخوين والتكفير المتبادل. إلا أن مراقبين استبعدوا هذا السيناريو لوجود الجيش الذي لن يسمح بوقوع هذا الأمر لتعلق الأمر بهيبة وجوده، فيما نفى أنس القاضي أن تكون لأحداث مسجد القائد إبراهيم تأثير على سير الاستفتاء.
السيناريو الثاني هو أن ينجح أنصار «لا للدستور» في تحقيق مفاجأة بقول «لا»، وهو سيناريو يدفع به عدد من أنصار «لا» المتفائلون والمتحمسون استناداً إلى حجم الكتلة التصويتية التي يتوقعون أن تنضم إلى هذا الخيار، معتمدين على أن الكتلة الرئيسية التي كانت ضد مرسي في جولة الإعادة بانتخابات الرئاسة، والتي ضمت المسيحيين وفلول الحزب الوطني وقطاعاً من الليبراليين، بشكل رئيسي، فضلاً عن قطاعات أخرى متنوعة من المصريين المستقلين، ستكون معهم. يضاف إليهم من ناصروا مرسي من الثوار وباتوا ضده وضد الدستور، وخصوصاً أن مرسي نجح بفارق ضئيل جداً في هذه الانتخابات الرئاسية.
إلا أن أنصار «نعم» يرون أن هذه المعادلة تغفل «حزب الكنبة» وأنصار الاستقرار الذي يؤيد كثير منهم توقف هذه الحالة من الشد والجذب وسيستجيبون لشعارات الاستقرار وسير عجلة الإنتاج، وهم قوة كبيرة لا يستهان بها تضاف إلى كتلة الإسلاميين المضمونة، ومعها من يرون أن الهوية الإسلامية مهددة إذا لم تحدث موافقة على هذا الدستور، كما تقول شعارات الكثير من التيارات الإسلامية.
وفي حال نجاح سيناريو الـ«لا»، ستوضع غالبية الإسلاميين في حرج شديد، لأنه سيطيل أمد المعركة مع التيار الليبرالي واليساري، ويجعل المعركة تأخذ طابعاً مختلفاً؛ إذ ستندلع عدد من المعارك الجانبية حول طريقة اختيار الشخصيات الممثلة في الجمعية الجديدة والمعايير الخاصة بهم، بالإضافة إلى اختيار الأشخاص أنفسهم، وهو ما سيجعل مرسي تحت القصف اليومي بوصفه المتحمل الأول للمسؤولية في البلاد، لوجود السلطة التشريعية والتنفيذية في يده.
إلا أن أنس القاضي أكد أن الإخوان سيقبلون بالنتيجة مهما كانت وسيذهبون لخريطة الطريق التي وضعها مرسي في حال قول «لا».