جاء قرار المعارضة المصرية بالمشاركة في عملية الاستفتاء ليضعها أمام اختبار حقيقي، حول مدى تأثيرها في الشارع الذي ملّ من شدة الاستقطاب السياسي ما بين المؤيدين والمعارضين للرئيس في الفترة الماضية. قرار جبهة الإنقاذ الوطني، التي تضم غالبية الأحزاب والحركات السياسية المعارضة للرئيس محمد مرسي، جاء بعد اجتماعات مكثفة لأعضاء الجبهة، جرى الاتفاق على أثرها على دعوة المواطنين إلى المشاركة في الاستفتاء، والسعي إلى إقناع الناخبين برفض مشروع الدستور والتصويت بـ«لا» عليه في الانتخابات التي ستبدأ اليوم السبت في عشر محافظات.
لكن هل استعدت المعارضة فعلاً للاستفتاء، أم أن قرارها المشاركة وعدم مقاطعة التصويت جاء متأخراً، حيث لم تحسم الجبهة موقفها سوى الأسبوع الماضي فقط؟
محمد عواد، عضو حركة شباب من أجل العدالة والحرية المشاركة في تحالف جبهة الإنقاذ، قال إنه جرى تشكيل حملات شبابية تحت شعار «لا للدستور». وقامت هذه الحملات بالانتشار في كافة محافظات الجمهورية، وبزيارة الأحياء والمناطق الشعبية، إضافهً إلى تنظيم سلاسل بشرية للاعلان عن أسباب رفض القوى المدنية للاستفتاء، وتقديم شرح للمواطنين عن المواد التي تمثل خطورة علي استقرار مصر. ولفت إلى أنه يتوقع استجابة الشعب المصري لتلك الحملات.
بدوره، قال عبد الغفار شكر، وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، المشارك في جبهة الإنقاذ لـ«الأخبار» إنهم شكلوا غرفة عمليات رئيسية تضم ممثلين عن كل الأحزاب المشاركة معهم، وقاموا بالاتصال بكافة المحافظات وتشكيل غرف عمليات فيها ودعوة المواطنين إلى التصويت بـ «لا»، إضافة إلى حملات إعلانية ومؤتمرات شعبية لشرح المواد التي تمثل خطورة على الحياة المصرية.
بدورها، عقدت «جبهة الإنقاذ»، مؤتمراً صحافياً أمس، دعت فيه جموع المصريين إلى المشاركة في الاستفتاء والتصويت بـ «لا». وأعلنت تشكيل غرف عمليات في مختلف المحافظات، «استعداداً للاستفتاء»، بحيث تضم الغرفة عناصر ممثلة عن الأحزاب والحركات الشبابية المتحالفة فى الجبهة.
وأوضح عضو المكتب السياسي للحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، فريد زهران، أنهم يتابعون كل ما يجري وسيجري بشأن عملية الاستفتاء، للتأكد من توافر ضمانات نزاهتها ومنع أي محاولات للتأثير في الناخبين.
ويبقى أن موافقة جبهة الإنقاذ الوطني على المشاركة في الاستفتاء تعني في نظر كثيرين أنها قبلت قواعد اللعبة، وتعني أيضاً موافقتها على نتيجة الاستفتاء مهما كانت، لكن الجبهة طالبت بضمانات للتأكد من صحة العملية الانتخابية، وسيكون أي تشكيك في مسار التصويت السبب وراء احتمال الانسحاب من المشاركة في الجولة الثانية من الاستفتاء الأسبوع المقبل، أو في رفض نتيجة الاستفتاء بصور كاملة.
وهو ما أوضحته الجبهة الأربعاء الماضي في بيانها التي أكدت فيه أنها «لن تعترف بنتيجة الاستفتاء اذا لم تتوافر فيه شروط النزاهة التامة» التي وضعتها. واشتملت على «اجراء عملية الاستفتاء في يوم واحد فقط، وضمان الاشراف القضائي الكامل على عملية التصويت، والسماح للمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية بمراقبة عملية التصويت». ويرى جورج إسحاق، العضو المؤسس في حزب الدستور وعضو جبهة الإنقاذ، أن عملية الاستفتاء لن تكون المعركة الأخيرة و«القوى المدنية ستواصل نضالها من أجل توعية الشارع المصري بخطورة الدستور». ولفت في حديثه لـ«الأخبار» إلى أن المعركة طويلة، ويمكن أن يُسقط الشعب هذا الدستور حتى وإن حصل على أغلبية في الاستفتاء، إذا اكتشف وجود تزوير أو فوجئ بأنه صوت على دستور لا يوفر له الحياة الكريمة التي وعد بها».
كذلك قال رئيس حزب «مصر الحرية» عمرو حمزاوى: «سنواصل كفاحنا السلمي ضد دستور لا يليق بمصر، ويلزم المواطن بتقديم شهادة فقر للحصول على الرعاية الصحية، ويرسخ لدولة الاستبداد، وسنستمر، ونحن على ثقة تامة بأن النتيجة ستكون لا للدستور، إن لم يحدث تزوير».
غير أن موافقة المعارضة على المشاركة في الاستفتاء، والتصويت عليه بـ«لا»، تضعها في مأزق حقيقي في حال فشلها في النجاح بحشد أغلبية تصوت في اتجاهها، ويصبح وضعها في الشارع صعباً، ولا سيما أن كل الانتخابات التي أجريت عقب الثورة فاز فيها التيار الإسلامي.
ففي استفتاء آذار 2011 وقف الإسلاميون مع تمرير الاستفتاء ونجحوا في ذلك رغم كل الملاحظات التي سجلت خلال عملية التصويت من استخدام الدين في الدعاية الانتخابية. كذلك حصدوا أغلبية مقاعد البرلمان بغرفتيه «الشعب والشورى»، وحصل مرشحهم في انتخابات الرئاسة على أصوات مكنته من الدخول في جولة الإعادة، وبغض النظر عن ناخبيه تمكن في النهاية من الوصول إلى كرسي الحكم.
تكرار نجاحات التيار الإسلامي تجعل موافقة المعارضة على المشاركة في الاستفتاء مجازفة كبيرة، بل إنها قد تكون الخطوة الاخيرة لتمكين التيار الإسلامي من الحكم، أو المسمار الاول في نعش هذا الحكم. ففي حال نجاح تمرير الاستفتاء حسبما يدعو الإسلاميون، فإن ذلك يعني أن غالبية الشعب المصري لا تزال لديها ثقة في التيار الإسلامي، وأن المعارضة لا تعبر عن الشعب كما تدعي.
كذلك يخشى البعض من أن تؤدي الموافقة على الاستفتاء على الدستور بالتيار الإسلامي إلى مزيد من العجرفة في التعامل مع المعارضة. فحتى الآن يتحدث الإسلاميون على أنهم أصحاب الأغلبية في الشارع المصري، معتمدين على ما كان من أغلبية في الانتخابات البرلمانية رغم الظروف الاستثنائية التي أجريت الانتخابات فيها، وهي اللغة التي ستتصاعد إذا جاءت نتيجة الاستفتاء هي الأخري في مصلحتهم.