القاهرة | بغض النظر عن الاستفتاء المثير للجدل على مشروع الدستور الجديد للبلاد المزمع تنظيمه اليوم، فالجيش المصري عاد الى مقدمة المشهد مجدداً، بعد شهور من تواريه على وقع هتافات تطالب بمحاكمة قيادته السابقة، وتحديداً أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذين يتهمهم المعارضون بأنهم ساهموا في إراقة دماء المصريين خلال الفترة الانتقالية. عودة الجيش جاءت من بوابة قرار الرئيس محمد مرسي منح القوات المسلحة حق «الضبطية القضائية» خلال يومي الاستفتاء على الدستور الجديد. خطوة أعادت إلى الأذهان احتجاج جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة، الذي ينحدر منه الرئيس، على قرار مماثل من المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل الانتخابات الرئاسية.
لكن الأهم ربما هو جراح المرحلة الانتقالية التي تولّى فيها المجلس العسكري الحكم، بعد كل تلك الدماء التي سالت على يد الجيش خلال مواجهاته مع المتظاهرين، والتي يوشك نزول قوات الجيش إلى الشارع مجدداً أن ينكأها، ولا سيما أن منظمة العفو الدولية حذرت في بيان لها قبل أيام من هذا القرار. واستندت إلى «سجل الجيش حين كان في السلطة (في الفترة الانتقالية قبل الانتخابات الرئاسية) وهي الفترة التي شهدت مقتل أكثر من 120 محتجاً، ومحاكمة أكثر من 12 ألف مدني في محاكمات غير عادلة امام القضاء العسكري».
وفيما يكاد يكون الجيش قاب قوسين أو أدنى من احتكاكات جديدة مع الشعب، لكونه سيكون مضطراً إلى التعامل مع المدنيين عبر سلطة الضبطية القضائية، حرصت المؤسسة العسكرية على بث بعض التطمينات. المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري، أحمد علي، أكد لـ «الأخبار» أن «الجيش لا يزال يثق بحب الشعب له. وهو مضطر إلى تلبية الأوامر له بالنزول لحماية المنشآت وتأمين اللجان، وينفذ التعليمات التي صدرت له من قياداته بضبط النفس إلى أبعد مدى، تجنباً لأي احتكاكات بين الشعب وجيشه». وأضاف «دورنا هذه المرة ليس سياسياً على الاطلاق (كما كان خلال الفترة الانتقالية) بل هو مجرد دور تأميني، ولا يمكن أن نخشى النزول إلى الشارع بينما نحن لا نهاب المعارك». ومضى يقول «في المقابل لا يمكن كذلك النزول إلى الشارع بعد انقضاء الفترة الانتقالية (في الأول من تموز الماضي) إلا عبر غطاء قانوني يمنحنا صفة تمكننا من حماية الأمن، لأن مكاننا الطبيعي ليس الشارع بين المدنيين طبعاً». واستكمل شرحه قائلاً «لم يكن اذاً من الممكن أن ننفذ مسؤولية حفظ الأمن إلا عبر منحنا الضبطبه القضائية. وفي كل الأحوال نحن سنتخذ مواقعنا خارج لجان الاقتراع فقط لحماية حق الشعب في التصويت بحرية، ولا مصلحة لنا في أي اختيار يستقر عليه اغلبية الشعب، ولا سيما أننا لا نتمتع أصلاً بحق التصويت (في اشارة إلى قانون الانتخابات العامة الذي يحظر على أفراد القوات المسلحة التصويت في الانتخابات العامة او الاستفتاءات)».
هذا الرد اللبق لا ينفي في كل الأحوال أن الجيش، أو بالأحرى قادته، ربما يكونون أصحاب مصلحة في خروج نتيجة الاستفتاء لمصلحة مشروع الدستور، ربما من أجل كل تلك المكتسبات الجديدة التي سينالها في حال اقرار مشروع الدستور.
عضو المكتب السياسي لحزب «الكرامة»، القيادي في التيار الشعبي، عصام الاسلامبولي، أوضح أن مشروع الدستور «يتضمن مثلاً اعتبار القضاء العسكري ضمن الجهات القضائية المستقلة، بينما هو في دستور عام 1971 (الذي أسقطته الثورة) ليس إلا قضاءً خاصاً». وأضاف «مشروع الدستور نصّ على جواز محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية في التهم التي تضر بالقوات المسلحة، وهو نص مستحدث لا نظير له في الدستور السابق». ولفت إلى أن «الأخطر أن مشروع الدستور الجديد تضمن كذلك للمرة الأولى النص صراحة على أن وزير الدفاع يجب أن يكون من ضمن جنود القوات المسلحة. وهو ما يغلق الباب نهائياً أمام تولي أي مدني هذا المنصب، لكون النص أصبح محصناً دستورياً». والأسوأ «هو تجاهل قضية المصالح الاقتصادية للقوات المسلحة، بالرغم من المطالب الشعبية بعد الثورة بضرورة الرقابة البرلمانية على الشركات المدنية للقوات المسلحة، بل وضمها إلى الموازنة العامة». وهو ما عدّه الاسلامبولي «يعني المزيد من هيمنة المؤسسة العسكرية على الدولة».
بالرغم من ذلك، حافظ الجيش بصرامة على موقف محايد بين الطرفين المؤيد والمعارض للدستور، بعد المواجهات بينهما خلال التظاهرات الحاشدة في الاسابيع الماضية، كما أنه لم يتدخل لحماية معارضي الرئيس المعتصمين أمام القصر الرئاسي من بطش مؤيديه، الذي أودى بحياة عدد من المحتجين، ما عدا بيان أصدرته القوات المسلحة أكدت فيه أنها تتابع «بمزيد من الأسى والقلق تطورات الموقف الحالي، وما آلت إليه من انقسامات وما نتج عن ذلك من أحداث مؤسفة كان من نتيجتها ضحايا ومصابون بما ينذر بمخاطر شديدة نتيجة استمرار مثل هذه الانقسامات، التي تهدد أركان الدولة المصرية، وتعصف بأمنها القومي» .
وهو ما رفض المتحدث العسكري، أحمد علي، التعقيب عليه، على اعتبار أن «الأمر كله يتعلق بالحرس الجمهوري، وهو ليس ضمن فروع الجيش، بل هو تابع لرئاسة الجمهورية مباشرة». أما الجيش «فليس جزءاً من الصراع، ولن يتدخل في السياسة، ولا سيما أن الفترة الماضية (الفترة الانتقالية) شهدت أصلاً مطالب ملحة بإبعاد الجيش عن السياسة». وأضاف «هذا ليس اختصاصنا». أما عن الحوار الذي دعا اليه الجيش، فيقول علي «حرصنا على أن يتخذ طابعاً مجتمعياً وأسرياً لا سياسياً، ولذلك لم نطلب أن يكون حواراً وطنياً»، في إشارة إلى ما وصفه بيان سابق للجيش بالدعوة إلى «لقاء للتواصل الإنساني والالتحام الوطني التي أعلن الجيش تأجيلها».
ورفض علي الرد على سؤال عما إن كانت القوات المسلحة تنوي توجيه الدعوة مجدداً إلى حوار من هذا القبيل.



تقييد الجيش


نجح الرئيس المصري، محمد مرسي، باتخاذ سلسلة من الخطوات التي أنهت دور الجيش بوصفه الفاعل الأقوى في الحياة السياسية المصرية. فبعد إعلان فوز مرسي بالرئاسة وأدائه اليمين في 30 حزيران وتسلم السلطة، أصدر قراراً بعودة مجلس الشعب إلى عمله الذي كان قد حله الجيش بناءً على قرار من المحكمة الدستورية العليا. كذلك عين مرسي في 8 آب رئيساً جديداً للاستخبارات العامة مستغلاً الغضب الشعبي بعد مقتل 16 من قوات حرس الحدود في هجوم مباغت شنه متشددون إسلاميون في مدينة رفح الحدودية. بعدها بأيام فقط، جاءت الخطوة الأهم، اذ عزل مرسي كلاً من محمد حسين طنطاوي (الصورة) ورئيس هيئة الأركان الفريق سامي عنان، والغى الاعلان الدستوري المُكمل، الذي كان العسكريون قد أصدروه قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية وقيدوا بموجبه سلطات رئيس الدولة وأبعدوه تماماً عن شؤون الجيش، ليصبح منذ ذلك الحين مرسي الفاعل الرئيسي بعدما أطاح الجيش من الحكم. لكن مرسي لم يستطع حتى اللحظة الاقتراب من المصالح الاقتصادية للجيش.
(رويترز)