بعد ورود العديد من الأخبار، التي لا أعلم صراحة إذا كانت صحيحة أو لا، عن منفذة عملية تفجير الباص في تل أبيب، يوم الأربعاء في 21 تشرين الثاني 2012، قررت أن أكتب رسالة إليها، علماً بأنني لا أعرف إن كانت موجودة أصلاً، أي لا أعرف إن كانت حقيقية، وإن كانت فعلاً هي من قام بذاك العمل الرائع، فهل تقرأ جريدة «الأخبار»؟ لذلك لا أعرف إذا كانت ستصلها رسالتي هذه أصلاً! لكن، وفي كل الأحوال، إذا كانت أيّ من هذه التساؤلات صحيحة فأرجو لمن يعرفها أن يوصل رسالتي إليها:

عزيزتي الفدائية،
أنا لا أعرف اسمك ولا عمرك، ولا أعرف شكلك ولا طول قامتك، ولكنني أعرف منذ الآن أنك ابنة جدي وجدتي وخالي الذين رحّلوا من فلسطين كُرهاً لا طواعية عام 1948. جدي استشهد في معركة ضارية مع جنود الاحتلال في جنوب لبنان، كان فدائياً مثلك، أما خالي فقد توفي منذ أقل من عام بعد معركة ضارية مع المرض حتى انتصر المرض عليه. لم يكن فدائياً، ولكنه كان يحلم بالعودة إلى فلسطين التي بقيت ذكراها المشوشة محفورة في ذاكرته. كان طفلاً صغيراً أثناء النكبة، بقي مرفوعاً على كتف جدي طوال الرحيل، لم يكن يذكر فلسطين إلا كمشهد في كادر يحدده من على ارتفاع كتفه. جدتي تذكر فلسطين وتذكر عرسها.

ذاكرة ستي أم ناصر تمام التمام، هي نموذج المرأة الفلسطينية الأول في حياتي. هي من لجأت، قاومت، قدمت الشهداء، وصبرت على الوجع بانتظار العودة. ستي، لا تزال تربط مفتاح بيتها في المخيم بعنقها خشية من اللجوء مرتين.
يا ابنة جدي، هل تعلمين كم من قلوب بني آدم دخلتِ؟ هل تعلمين كم من نفوسٍ ارتفعت معنوياتها بسببك؟ هل تعلمين أنني بكيت، فرحاً لا حزناً، فخراً بانفجارك؟ «اذهبي عميقاً في دمي، وتولدي بانفجارٍ» يهز ضمير من باعوا فلسطين بقدر ما يهز الكيان الصهيوني خوفاً وهلعاً من غضبك، وانتشري رماداً يوزع شرفاً وفخراً على أمتك. يا ابنة جدي، كحّلي أعيننا بكحلِ عينيك علّنا نرى ما لا نراه وترين. يا طيب جرحٍ دخل عامه السادس والستين. أترين الرجال وهم يخجلون منك ومن جولتك التي ما عادت من صفة الرجال؟ اعلمي حجم انتصارك، واعلمي أننا قد تعبنا من الأخبار المأساوية. تعبنا أن نعمل دوماً دور الضحية.
تعبنا أن نرى جثث أطفالنا على شاشات التلفاز تتصدر العناوين الرئيسية. تعبنا أن نرى _ حنوناً _ من لم يعش الحرب يوماً يذرف دمعتين لمشهد طفلٍ غزّاوي فقد إحدى ساقيه، فيرسل إليه بضع دولارات، لا تؤمن للطفل أن يستعيد إحدى ساقيه أو حتى بديلاً لها، ولكنها تجعل الحنون ينام قرير العين مطمئن الضمير ومرتاح البال. إنتِ راحتنا التي انتشلتنا من التعب، يا ابنة
جدي.