أثار نزول عدد من جماعة الإخوان المسلمين، إلى منطقة قصر الاتحادية، أول من أمس، وتحطيم خيام المعتصمين والتظاهر لتأييد الرئيس محمد مرسي، حالة من الدهشة في الأوساط المصرية بصفة عامة وفي بعض القطاعات الإخوانية بصفة خاصة. ولأن السلوك غريب، والتوقيت غير مفهوم، باتت معرفة ما يحدث في الداخل الإخواني قاسماً مشتركاً لكثيرين.
ففي السلوك، لم يعرف عن جماعة الإخوان طوال فترة ما بعد الثورة أنها خاضت مواجهات مع أي من الأطراف. كما أنه في فترة ما قبل الثورة، كان الإخوان آخر المتحركين وكان صدامهم مع الشرطة وفي موقعة الجمل خلال ثورة «25 يناير» في اطار الاتشباكات التي خاضها الثوار كافة.
وفي التوقيت، كانت خطوة الإخوان مستغربة. فمرسي كان قد كسب مواقع كثيرة في معركته على الاستفتاء والدستور، وحتى كسب رجل الشارع العادي ممن ينتمي لحزب «الكنبة»، فضلاً عن ضمانه اصطفاف قطاع من القضاء إلى جانبه وإثبات قدرته على حشد أنصاره بمئات الآلاف.
وفيما تفرض الجماعة حالة تكتم شديدة على ما يجري داخلها، فإن حالة الإرباك تبدو ظاهرة في ثنايا المشهد الإخواني الداخلي. ووفقاً لمصادر رفيعة المستوى داخل إخوان الإسكندرية، فإن قرار نزول الإخوان للاتحادية، على ما ينطوي عليه من حساسية عالية، لم يُستطلع فيه رأي المكاتب الإدارية في المحافظات ولا كوادر الجماعة الرئيسية. وأوضح المصدر أن بعض هؤلاء فوجئوا بهذا القرار كالعديد من المصريين، إضافة إلى أن ما وصل إلى أغلب الكوادر والقواعد الإخوانية كان مجرد الحديث عن «مؤامرة تدبر بليل ضد الرئيس هدفها تحطيم الشرعية الدستورية، وأن قرار النزول كان يمثل أخف الضررين». واستشهد في ذلك ببعض ما قالوا إنهم وجدوه في الخيام من «خمور وأوقية ذكرية، وغيرها»، وأنه كان هناك ثمة رغبة في اقتحام القصر واحتلاله أو إحراقه بعد انسحاب الشرطة. ورغم تعاطف الإخوان مع زملائهم بعد موت واصابة عدد منهم في الاشتباكات، إلا أن حالة من الانقسام في الرأي تسود بين شباب الجماعة، وفقاً لكوادر شبابية فضلت عدم ذكر اسمائها.
البعض يبدي تحفظاً على النزول في تظاهرات اليوم التي تنوي الجماعة إطلاقها بعد صلاة الجمعة. ويرى أن على الجماعة تفويت أي فرصة للاصطدام أو الاحتكاك مع المتظاهرين المعارضين للرئيس لعدم إعطاء فرصة للبلطجية أو الفلول أو الجهاديين أو الراغبين في الفوضى للاندساس بين الناس في ظل الاحتقان الموجود بين كافة الأطراف.
أما الطرف الثاني، وفقاً لمصدر آخر، فيرغب في الانتقام مما حدث، ولا سيما أنه يرى أن مقار الإخوان والحزب هي التي حرقت، وأن اعضاء الجماعة هم المظلومون ويتعرضون لمؤامرة.
وقال مدحت الحداد، القيادي الإخواني، عضو المكتب الإداري لإخوان الإسكندرية، لـ«الأخبار» إن «الجماعة تسيطر على كثير من شبابها، ولا سيما في الإسكندرية بعد تعرض صبحي صالح الكادر الإخواني، وعضو الجمعية التأسيسية للدستور، لمحاولة قتل أول من أمس من قبل عدد من البلطجية في منطقة سيدي جابر». وأوضح أن «قيادات الجماعة في المحافظات لديها علم عن وجود مؤامرة ضد مرسي لم يكن هناك سبيل لوقفها إلا بأخف الضررين، وهو حماية القصر بواسطة الإخوان بعد تخاذل الشرطة، وخوفاً من الاشتباك مع الحرس الجمهوري الذي كان سيؤدي إلى وقوع الآلاف من الضحايا، ولكي لا يحرق ويحتل رمز الدولة والرئاسة».
إلا أن الحداد نفى أن يكون على علم بماهية المستندات أو التسجيلات أو الأدلة الموجودة مع مرسي، لافتاً إلى أن الجماعة لديها حصر بقائمة رجال الأعمال في الإسكندرية ممن تورطوا في استخدام البلطجية ضد الجماعة.
لكن إذا كان هذا هو حال المشهد لدى قواعد وشباب الجماعة فماذا عن قيادتها، ولا سيما في ظل التساؤل الرئيسي عن هوية من اتخذ القرار؟
من الواضح وجود تضارب في تحديد هوية من محرك هذه الفكرة. المنشقون عن الجماعة يؤكدون أن خيرت الشاطر هو المحرك لها وأن من كان يقود الشباب الذين ذهبوا للاتحادية هم من مساعديه. واستدلوا على ذلك بتصريح لحفيد المرشد حسن الهضيبي، إبراهيم، قال فيه إن المرشد السابق محمد مهدي عاكف أخبره أن خيرت الشاطر هو من أصر على هذا القرار.
لكن عاكف نفى، في تصريحات لـ«الأخبار»، صحة هذا الأمر، لافتاً إلى أن حديثه مع الهضيبي لم يتطرق إلى الشاطر. وشدد على أن الشاطر بعيد عن القرار، متهماً من ذهبوا أولاً لقصر الاتحادية من المعارضة بأنهم سبب التحريض الفج على ما حدث. كما اتهم قطاعاً كبيراً من الإعلام المصري بأنه «لا يتقي الله». وترافق هذا النفي مع تأكيد أحد كوادر الجماعة أن من اتخذ هذا القرار هو مكتب الإرشاد، مرجحاً بقوة أن يكون وقف وراء القرار إما محمود غزلان المتحدث باسم الجماعة، أو محمود عزت نائب المرشد، وأحد أقوى رجال الحرس الحديدي في الجماعة.
ولفت المصدر إلى وجود خلاف وعدم وفاق بين مرسي والشاطر، بسبب اتخاذ مرسي قرار إقالة كل من المشير حسين طنطاوي وسامي عنان دون الرجوع إلى قيادات الجماعة أولاً، رغم الثمن الذي كان من الممكن أن يدفعه شباب الجماعة أو الجماعة إذا كان القرار خاطئاً. واستدل بهذا الخلاف كدليل على عدم وجود تنسيق بين الطرفين منذ فترة، نافياً أن يكون الشاطر معارضاً للإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي.
ووسط هذه الأجواء، دعا المرشد العام للاخوان المسلمين في مصر، محمد بديع، أمس إلى «الاتحاد والتماسك لبناء أوطاننا ولنغلب المصالح العليا على المصالح الشخصية. فتفرقنا واختلافنا وتشرذمنا لا يخدم سوى أعداء الأمة».
بدوره، تحدث حزب الحرية والعدالة عن «بوادر مؤامرة كبرى ظهرت في فلتات لسان متآمرين تنادوا إلى اقتحام قصر الرئاسة وإعلان مجلس رئاسي يقفز على الشرعية ويتجاوز كل الآليات الديموقراطية». وتحدث البيان عن «محترفي العنف مدفوعين من بعض رموز النظام السابق»، واتهمهم بالقيام «باعتداءات وحشية على جموع المتظاهرين، مما أدى إلى استشهاد ستة من شباب حزب الحرية والعدالة بالإضافة إلى 1493 مصاباً من بينهم 213 أصيبوا بطلقات نارية».