بدا الرئيس المصري، محمد مرسي، أمس أنه يفتقد الابتكار، بعدما لجأ إلى استخدام كافة الأساليب التي لجأ إليها نظام حسني مبارك في مواجهة الاعتراضات على حكمه. أساليب لم تقتصر فقط على استعادة لغة التخوين والتهويل والحديث عن مؤامرة، بل كان العنف ضد المعارضين عنوانها الأبرز، ما أعاد التذكير بمعركة «الجمل» التي لجأ إليها رجال مبارك إبان ثورة «25 يناير». وبدا أن مرسي وجماعته لا يملكون سوى هذه الاستراتيجية لمواجهة المعارضين المصممين على المضي قدماً في رفضهم للإعلان الدستوري ومسودة الدستور المقرر الاستفتاء عليها بعد 10 أيام. وأطلق مرسي العنان أمس لأنصاره لملاحقة المعارضين، واضعاً البلاد أمام خطر احتراب أهلي حقيقي بعدما بات الانقسام تستخدم فيه تهديدات من قبيل إعلان الجهاد.
ولأن الرئيس لا يفترض أن يدعو بنفسه أنصاره إلى فك الحصار الذي فرضه المعارضون عن قصر الاتحادية منذ أول من أمس، أوكلت المهمة إلى المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين، محمود غزلان. الأخير طالب الإسلاميين بالتجمع أمام قصر الاتحادية «لحماية الشرعية بعد التعديات الغاشمة التي قامت بها فئة، تصورت أنها يمكن أن تهز الشرعية أو تفرض رأيها بالقوة»، في إشارة إلى التظاهرات التي نظمها آلاف المعارضين لمرسي أمام قصر الاتحادية أول من أمس والتي أدت إلى محاصرة القصر من جميع جهاته.
وفيما لم يتأخر أنصار مرسي من جماعة الإخوان المسلمين والإسلامين في تلبية دعوة الغزلان، عمدوا فور وصولهم إلى مطاردة المعارضين لإبعادهم عن القصر الرئاسي الذي عاد أمس إليه مرسي لممارسة عمله. وعلى وقع هتافات «الشعب يريد تنظيف الميدان» من متظاهري المعارضة و«مرسي يملك الشرعية»، كانت الحجارة قد بدأت تنهال على معارضي مرسي الذين كان المئات منهم قد نصبوا منذ أول من أمس خياماً أمام قصر الاتحادية.
ووقعت صدامات بين الطرفين اضطر على أثرها أنصار المعارضة إلى مغادرة المنطقة، لكنها مغادرة لم تكن إلا مؤقتة، إذ عاود المحتجون محاولة التجمع أمام القصر لتعود الاشتباكات وعمليات الكر والفر، التي أوقعت قتيلين وقرابة ستين مصاباً. واستمر الوضع على هذا المنوال، إلا أن تدخل الأمن للفصل بين الطرفين بعد غياب لساعات أثار علامات استفهام كثيرة.
وكانت وتيرة الاشتباكات المتصاعدة قد دفعت المعارضة إلى الخروج عن صمتها، من خلال مؤتمر صحافي عقده رموز «جبهة الإنقاذ الوطني»، فيما أعلن الصحافي أيمن الصياد، أحد أعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس استقالة جميع أعضاء الهيئة «بعد أن أخفي الخبر أسبوعاً كاملاً بهدف البحث عن حل، بلا جدوى». وحذر رئيس التيار الشعبي حمدين صباحي مرسي من أن أي سفك للدماء أمام قصر الرئاسة «يعني فقدان مرسي أخلاقياً أي شرعية لقيادة مصر»، فيما حمّل المعارض محمد البرادعي، الرئيس المصري «المسؤولية الكاملة» عن العنف، مؤكداً استعداد المعارضة للحوار إن ألغى مرسي الإعلان الدستوري وأجّل الاستفتاء . وجددت جبهة الإنقاذ الوطني مطلبها تشكيل جمعية تأسيسية جديدة تمثل كل اطياف المجتمع المصري.
وجاءت تصريحات أقطاب المعارضة بعدما ضرب مرسي وأنصاره عرض الحائط بالتحذيرات التي أطلقتها الجبهة من «خطورة وقوع أي اعتداء على المتظاهرين والمعتصمين أمام مقر رئاسة الجمهورية المصرية».
وبينما كانت الاشتباكات في أوجها، خرج نائب الرئيس محمود مكي ليؤكد من القصر الرئاسي أن الاستفتاء سيكون في 15 كانون الأول كما كان مقرراً، داعياً المعارضة إلى تدوين اعتراضاتها على المواد في مسودة الدستور للتوصل إلى توافق في وثيقة مكتوبة حول مواد الدستور المختلف عليها تقدم للبرلمان الجديد المنتخب لتعديلها.
مكي، الذي حرص على تأكيد أن ما يطرحه «ليس مبادرة رسمية، بل فكرة شخصية»، أشار إلى أن الخلاف حول الدستور لا يزيد على 15 مادة، ويتركز في الصياغة. لكن تصريحاته عززت من غضب المعارضين، وخصوصاً أن الأنظار كانت قد اتجهت إليه بعدما ترددت أنباء عن سعي مرسي إلى صيغة تمكنه من امتصاص الغضب الشعبي. لكن تصريحات مكي لم تكن وحدها ما خيّب آمال المعارضين، فنائب رئيس حزب الحرية والعدالة، عصام العريان، هدد المعارضين قائلاً «إن المغامرين الذين يريدون القفز على السلطة، ولا يريدون الاحتكام إلى صناديق الاستفتاء أو الاقتراع، عليهم الآن أن يراجعوا أنفسهم قبل فوات الأوان».
وأضاف العريان، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «الشعب الذي يتحدث الجميع باسمه، ويحتقر البعض ثقافته المتواضعة، ويريد البعض إقصاءه عن المشهد، سيكون الآن، وإلى أن يتم الاستفتاء على مشروع الدستور، الذي يحمي حقوقه وحرياته، ويحفظ مقوماته الاقتصادية والاجتماعية والدينية». وشدد على أن «هذا الشعب سيتدفق لحماية الشرعية إلى كل الميادين وفي كل المحافظات، وخاصة أمام الاتحادية».
كما أكد العريان أن «الرئيس لن يتراجع عن قراراته، وإذا كانت أجهزة الدولة ضعيفة ومثخنة بجراح الفترة السابقة، فالشعب قادر على فرض إرادته وحماية الشرعية»، مشيراً إلى أن أعضاء الحزب سيكونون في مقدمة الصفوف.
أعضاء الحزب لن يكونوا بطبيعة الحال وحدهم، فالإسلاميون التفوا بجميع قواهم خلال الفترة الماضية خلف مرسي. ولم يتردد بعضهم خلال اليومين الماضيين من التلويح باستخدام أقصى قوة على غرار القيادي الإسلامي محمد أبو سمرة، الذي أكد في تصريحات تلفزيونية أن هناك رسالة يجب أن يعلمها الساسة كافة، ومفادها «لا تستهينوا بالتيار الإسلامي، وخاصة أن الجهاديين واجهوا النظام السابق، ولو خرج أحد عن الشرعية، فالجهاديون والجماعة الإسلامية ستتدخل على الفور». وأضاف: «التيارات الجهادية كلها على استعداد لمواجهة كل المتظاهرين، ومن يخرج عن الشرعية باستخدام أقصى قوة ضدهم».
إلى ذلك، قالت وزارة الخارجية المصرية إن اللجنة العليا للانتخابات أبلغتها أنه لا يجوز إدخال أي تعديلات على قاعدة بيانات الناخبين في الاستفتاء على الدستور، ما يعني أن من لم يسبق له التسجيل للتصويت في الانتخابات من الخارج لن يستطيع المشاركة في الاستفتاء المقبل من الخارج وكذلك من غير محل إقامته إلى دولة أخرى بعد التسجيل.
وسيدلي المصريون في الخارج بأصواتهم في الاستفتاء على مشروع الدستور في السفارات المصرية اعتباراً من الثامن من كانون الأول حتى 11 من الجاري.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)