الإسكندرية | انتصار جديد حققه الرئيس المصري محمد مرسي، أمس، في معركة الدستور التي يخوضها ضد الرافضين له والمنادين بمقاطعته، بعد إعلان الهيئات العليا لمختلف أنواع القضاء المصري موافقتها على الاشتراك في الإشراف القضائي على الاستفتاء المزمع إجراؤه في 15 كانون الأول المقبل.
أنصار مقاطعة الاستفتاء كانوا يعوّلون على مقاطعة القضاة لتعطيل إقرار مشروع الدستور، ولا سيما بعد إعلان عدد من أندية القضاة في مصر عدم المشاركة في الإشراف على الاستفتاء، وعلى رأسهم المستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة في مصر.
إلا أن المؤيدين لإجراء الاستفتاء لم يكترثوا كثيراً لما قاله الزند، نظراً إلى أن أندية القضاة اختصاصاتها اجتماعية في الأساس. فوفقاً لما قاله الزند نفسه قبل الثورة، فإنه «ليس لي اختصاصات فنية، وأنا مسؤول عن رحلات الحج والعمرة والمصايف»، بمعنى أنه لا دور فنياً له لما يمس القضاء.
وأكد هذا المعنى المستشار فكري خروب، رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، لـ«الأخبار»، قائلاً «قرار ناديّ غير ملزم لأي قاض، فعمل القاضي هو الأساس لأنه صاحب رسالة»، مبدياً اعتراضه في السياق ذاته على تعليق العمل بالمحاكم. وأوضح أنه «حتى الجمعيات العمومية للمحاكم تنصب اختصاصاتها على توزيع الدوائر والقضايا، ولا تملك إجبار القاضي على ترك عمله»، مشدداً في الوقت نفسه على «أن هذا لا يعني الموافقة على ما جاء في الإعلان الدستوري أو يشترط الموافقة على كل ما جاء في الدستور».
ورأى كثيرون أن موقف جميع الهيئات القضائية الموجودة في الدولة، ممثلة في مجالسها العليا وهي مجلس القضاء الأعلى والذي يعد بمثابة مجلس إدارة القضاء العادي المكون من محكمة الاستئناف والنائب العام ومحكمة النقض، ويرأسه رئيس محكمة النقض، والمجلس الخاص، أعلى سلطة في مجلس الدولة، وهيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، هو نوع من التراجع أو تبدل في الموقف الذي اتخذته معظم هذه الهيئات من مرسي عقب إصداره الإعلان الدستوري.
إلا أن خروب رأى أن الإشراف القضائي مطلب شعبي من قبل الثورة، ومن ثم فهو واجب وطني يجب التمييز فيه بين رفض الإعلان الدستوري أو الاعتراض على الدستور وبين القيام به. ووصف قرار المجلس القضائي بالإشراف على الاستفتاء بأنه «صائب ويعبّر عن استشعار هذه المجالس بواجبها الوطني وأهميته».
وفي السياق نفسه، كتب معتز بالله عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة وعضو اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، على صفحته على «فايسبوك» يقول: «لو كان في هذا الدستور ما يمس استقلال القضاء وهيبته، لما قرر اليوم المجلس الأعلى للقضاء قبول انتداب القضاة ووكلاء النيابة».
لكن الصحافي محمد بصل أرجع هذه الموافقة إلى «المنافع المادية الكبيرة التي سيحصل عليها كل عضو من أعضاء الهيئات القضائية خلال إشرافه على الاستفتاء، والتي تصل مكافأتها إلى آلاف الجنيهات، ولا سيما مع ما تردد من أرقام كبيرة تزيد على حجم مكافآت الإشراف في استفتاء آذار 2011 وانتخابات المجالس النيابية وانتخابات الرئاسة، خاصة مع صغار وكلاء النيابة وصغار القضاة في مقتبل العمر».
واستبعد بصل وجود تأثير على الاستفتاء نتيجة إصرار بعض القضاة على عدم الإشراف على الاستفتاء، موضحاً لـ«الأخبار» أنه على الرغم من أن مصر يوجد فيها تقريباً 14 ألفاً و500 قاض يتبع منهم قرابة 8 آلاف وخمسمئة قاض القضاء العادي الذي يتبع المجلس الأعلى للقضاء، وألفا قاض مجلس الدولة، والباقي موزعون على هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، فإن فلسفة وطريقة التوزيع للقضاة على اللجان والصناديق ستحسم هذا الأمر. ورجح أن تكون هذه الفلسفة مشابهة لما جرى في استفتاء آذار 2011، حيث كان كل قاض يشرف ويتابع 8 صناديق، أي 8 لجان، بمعاونة ما يقرب من 5 أو 6 موظفي محاكم، وهو ما يعني أن العدد المطلوب للإشراف ليس كبيراً، بعكس فلسفة التوزيع في انتخابات مجلس الشعب التي كان يشرف فيها القاضي على 4 صناديق حداً أقصى، وانتخابات الرئاسة التي كان يشرف فيها على صندوق واحد يضم 4 لجان تقريباً.
ولذلك، يرى بصل أنه إذا استجاب عدد كبير من القضاة التابعين لنادي القضاة وأعضاء النيابة العامة إلى الدعوة بالمقاطعة، فإن الهيئات القضائية الأخرى ستفي بالغرض، مرجّحاً أن القاضي الذي لن يذهب سيعاقب فقط حال تعهّده بالحضور ثم تخلّفه من دون عذر جاد.
واتفق كل من خروب وبصل على أنه حال تطبيق سيناريو عدم إشراف القضاة على الانتخابات، سيكون أمام مرسي طريق واحد فقط هو إصدار إعلان دستوري لتغيير نص المادة (39) من الإعلان الدستوري المستفتى عليه في آذار 2011 لتغيير اشتراط الإشراف الكلي للقضاة على الانتخابات والاستفتاءات. وهو ما سيضرّ مرسي، إذ إنه، بحسب خروب، «لا يجوز التوسع في الاستثناء حتى لا يصبح قاعدة».
أما في حال تجاوب عدد كبير من القضاة، فإنه سيجب على المعارضة استحضار سيناريوات المواجهة المفتوحة عبر حصار قصر الاتحادية وبعض مؤسسات الدولة الحيوية إلى جانب العصيان المدني والاعتصام الدائم في التحرير وغيره من الميادين، وسيكون ذلك أمراً وارداً. يضاف كل ذلك إلى تحريك دعوى قضائية ضد مرسي وضد الجمعية التأسيسية للدستور، فيما سيشهد القضاء غداً أولى المواجهات، إذ سينظر في إحدى هذه الدعاوى.
أما التظاهرات، فستستمر المعارضة بتنظيمها، إذ من المقرر أن تتجه مسيرات اليوم إلى قصر الاتحادية حيث مقر الرئيس المصري، فيما بدأت السلطات منذ أمس باتخاذ إجراءات أمنية في محيط القصر الرئاسي.