رام الله | كثيراً ما قد يتساءل الفلسطينيون: من نحن؟ على سبيل المثال لا الحصر، إنّ جواز السفر الفلسطيني صادر عن «السلطة الفلسطينية» وفي أسفل الجواز كلمتان، أولاهما «Passport»، وهي كلمة تستخدم لمن له دولة، وفلسطين ليست دولة بعد، والكلمة الثانية «Travel Document» وهي عادة ما تستخدم للاجئين، بينما غالبية من يعيش في الضفة الغربية وقطاع غزة، ليسوا لاجئين، فكيف يكون ذلك؟
سؤال أصبحت الإجابة عنه أكثر صعوبة بعد التصويت على دولة «غير عضو» بصفة «مراقب» في الأمم المتحدة، بحيث ازدادت حالة التشتيت التي يعيشها كل فلسطيني، وتساءل من جديد: «من نحن»؟ كذلك تساءل الرئيس محمود عباس في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله: «هل نحن شعب فائض في هذه المنطقة؟».
لكن في الواقع، إن الفلسطينيين يعرفون من هم، ويدركون جيداً أنهم يعيشون في أرضهم، وأنهم أصحاب الأصل والأرض؛ في ظل إدراكهم لهذه الوقائع، وفي ظل حكم الأمر الواقع، احتاروا كيف يتفاعلون مع الحدث، هل يعارضون أم يؤيدون قيام دولة فلسطينية غير عضو؟ هل يحزنون على ضياع فلسطين التاريخية ولاجئيها المشرّدين، أم يفرحون لنيل اسم الدولة، وهو حلم راودهم منذ زمن طويل؟
وبدا الارتباك الفلسطيني أمام الخطوة التي اتخذتها القيادة الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة في الشارع. منهم من علّق ساخراً على «الوضع الفلسطيني الجديد»، ومنهم من تساءل عن جدّية المرحلة المقبلة، رغم أنّه على أرض الواقع لم يتغير شيء، فلم يستفق الفلسطينيون ليجدوا أن المستوطنات اختفت، أو الحواجز العسكرية قد أُزيلت، أو الاحتلال قد زال.
وقال أنطون لـ«الأخبار»: «حتى الآن يعدّنا العالم بلا جنسية، يعني ناس يعيشون بلا حماية دولة معينة، السؤال الجدي «الدولة بدون عضو»، هل تستطيع أن تعطينا جنسية فلسطينية؟ وهل يعني ذلك أن جوازات السفر ستتغير عن قريب؟». وأضاف أنطون: «22 في المئة من أرضي، هل هذه خطوة للتقدم نحو المستقبل، أم تدمير للحلم الفلسطيني؟ وكيف أرسم الآن خريطة فلسطين؟»، فيما تساءل جميل عواد: «هل انتهى أوسلو أم تجذر؟». وأضاف بالعامية: «يا عمي حدا يفهمنا، ولا لازم كل مرة نفهم لحالنا وبأثر رجعي؟». الطبيب أغلب، رأى أن تاريخ 15 تشرين الثاني 1988هو أهم كثير من 29 تشرين الثاني 2012، «لأنّ الدولة التي أُعلنت عام 88، كانت تحت راية منظمة التحرير، أما اليوم فهي تحت راية السلطة الفلسطينية، وأخشى ما أخشاه أن نترحم على أيام أوسلو».
علي دراغمة تحدث لـ«الأخبار» قائلاً: «لم نعد نعلم لمن نغني بعد اليوم، للثورة أم للدولة؟ كم هو متناقض الأرشيف الفلسطيني! وعقلي شقيق قلبي يتحاربان، وكم أحنّ إلى عكا وإلى الجزار». ولم تتوقف حالة الارتباك هذه، فقط على التساؤلات الجدية والمشروعة للفلسطينيين، بل تجاوزتها إلى الساخرة منها، لتعكس حالة من الضياع، إن صحّ وصفها، في صفوف المواطنين، وقال رأفت: «وأصبح المستوطنون لاجئين في دولة فلسطين»، بينما كتب المخرج رائد أنضوني، على صفحته على «فايسبوك»، ساخراً وموجهاً حديثه إلى القيادة الفلسطينية: «مبروك، ولا تنسوا في طريقكم أن تحضروا الـuser guide، والكفالة «شامل قطع غيار»». وأضاف بالعامية: «ويا ريت واحد صيني دائم العضوية لأعمال الصيانة الطارئة».
وتابع أنضوني: «فلسطين ليست خلافاً حدودياً، 20 في المئة زيادة أو نقصان، فلسطين بالنسبة إليّ هي ما يزيد على عشرة ملايين فرد، شخص، إنسان، مشتتين في أنحاء العالم منذ سنين، تعرضوا لغبن وظلم تاريخي من قبل مؤسسة الأمم المتحدة ذاتها، والمطلوب من العالم إنصاف هؤلاء. أما خطاب أبو مازن والتصفيق له، فهو ليس أكثر من دواء لمرض تأنيب الضمير لمن هم أصلاً سبب المشكلة، هؤلاء سيصفقون ويشعرون بالراحة ونحن سنجني وهم هذا المسار من جديد».
أما لؤي صبابا فقال: «شكراً لكل الجهود التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة». وأكمل مخاطباً الراحل عرفات: «سيدي الرئيس أبو عمار، تستطيع الآن أن ترقد بسلام».
والسؤال الأكثر شيوعاً في الشارع الفلسطيني الآن، وبعد هذا النجاح الدبلوماسي الفلسطيني على صعيد العالم هو: ما دمنا نستطيع فعل ذلك، فلماذا أضعنا عشرين عاماً من المفاوضات من دون أن نتخذ هذه الخطوة، ووفرنا سنوات عجافاً وغيرنا شروط المفاوضات، وتقدمنا خطوات إلى الأمام؟ ولماذا كل ما نقدم عليه يكون متأخراً لعقود طويلة؟
لا أحد من الفلسطينيين يعتقد أن ما حدث سيؤسس لشيء أكبر، أو حتى أنه يشكل نواة لبداية النهاية بالنسبة إلى الاحتلال الإسرائيلي، لكنهم خائفون من ثمن هذه الخطوة، إسرائيلياً، وأميركياً، وإن كانت خطوة فقط وانتهى الأمر، أم أننا قادرون على البناء عليها فعلاً مهما كلف الأمر؟