تتواصل معاناة حكومة حمادي الجبالي من أزمة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى، عشية الذكرى الاولى لتولّي الحكومة الانتقالية مقاليد الحكم في البلاد. الأزمة الجديدة التي تواجهها حكومة حركة النهضة الإسلامية تأتي هذه المرة من الشمال الغربي، وتحديداً من محافظة سليانة حيث استقال المحافظ تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية.
بعد الثورة التي سقط فيها شهداء سليانة، المعروفة بإمكانياتها وثرواتها الطبيعية ومخزونها الأثري، اعتقد أهالي المحافظة الأكثر فقراً أن الثورة ستفتح لهم أبواب التنمية بعد سنوات من التهميش. لكن بعد مرور عامين على اندلاع الثورة، لم تجن المحافظة شيئاً على الرغم من أنها كانت أول محافظة تتمرد على حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي سنة ١٩٩٠ في انتفاضة شهيرة واجهها النظام آنذاك بقبضة حديدية.
وقد بدأ مسلسل التوتر في المحافظة بالإضراب العام الذي أعلنه الاتحاد الجهوي للشغل يوم الاثنين، والذي رافقته مسيرات شعبية وواجهته السلطة الجهوية بالكثير من العنف والقسوة واستعمال الطلقات المطاطية لتفريق التظاهرات في أعنف مواجهات منذ الهجوم على السفارة الاميركية في أيلول الماضي. في المقابل، ردّ الشبان المتظاهرون برمي الحجارة والمطالبة بإقالة محافظ الجهة، وهو ابن أخت رئيس الحكومة، الرجل الثاني في حركة النهضة الحاكمة وهو ما تحقق أمس بإعلان المحافظ استقالته بعد تطور الانتفاضة.
ولليوم الثالث على التوالي تواصل الإضراب العام، وقد أصيب حتى ظهر أمس نحو 1٠٠ مواطن، بينهم مواطنون بجراح بالغة. ردّ فعل السلطات لاقى إدانة من القوى السياسية والنقابية والحقوقية التي أجمعت على ضرورة إقالة المحافظ باعتباره المسؤول الأول عن التوتر والاحتقان في الجهة.
وتعددت أسباب التوتر الذي أدى إلى اندلاع المواجهات. فإلى جانب الفقر والتهميش، فإن إصرار حركة النهضة على الاستئثار بالنيابات الخصوصية (مجالس البلديات)، وهو ما رفضته قوى المعارضة، قد سبّب هذا المناخ من الاحتقان. هذا الموقف واجهه شريك النهضة في الحكم، حزب التكتل، بإضرابات جوع لمكتب حزب التكتل في مدينة مكثر من محافظة سليانة احتجاجاً على العنف الذي تمارسه قوات الأمن. كذلك أعلن ممثل محافظة سليانة عن الحزب الجمهوري في المجلس الوطني التأسيسي، إياد الدهماني، الدخول في إضراب جوع مفتوح إلى حين انسحاب قوات الأمن من المدينة وإقالة المحافظ.
وانتقد زعيم حزب العمال المعارض، حمة الهمامي، لجوء قوات الأمن إلى القوة في التعامل مع المتظاهرين. وقال: «ما يحدث في سليانة يؤكد افتقاد الحكومة الإسلامية للحلول واعتمادها القوة بدل مناقشة مطالب المحتجين، وهي نفس أساليب النظام السابق». كذلك أعلن العديد من الجمعيات والمنظمات مساندتها للمتظاهرين وإدانتها للعنف المفرط لقوات الأمن التي اقتحمت المنازل ليلاً في حملة أمنية مكثفة استهدفت الناشطين النقابيين والعاطلين من العمل.
في المقابل، أكدت رئاسة الحكومة أنها تتفهم مطالب المحتجين، لكنها ترفض استعمال القوة والعنف لفرض سياسة الأمر الواقع. أزمة محافظة سليانة ليست الأولى، فقد وقعت أحداث مماثلة في محافظات قابس وتطاوين وسيدي بوزيد وقفصة، وقد ترتب على بعضها إقالة المحافظين الذين عيّنتهم حركة النهضة في سيناريو لإعادة أساليب النظام السابق في السيطرة على مفاصل الدولة والإدارة. وقد دعت معظم أحزاب المعارضة الترويكا الحاكمة، وخاصة حركة النهضة، إلى التخلي عن تعيين الولاة من قياداتها والالتزام بالفصل بين الحزب والدولة، وهو أحد مطالب الثورة، ورفع يدها عن تعيين أنصارها بالقوة في البلديات. لكنّ الحركة مصرّة على مواصلة سياستها في الاستحواذ على الدولة بنفس طريقة الحزب المنحل، وهو السر الأساسي للتوتر الذي ينتشر في البلاد.