دمنهور | جاءت وفاة الفتى الإخواني، إسلام مسعود، صاحب الخمس عشرة سنة، في الاشتباكات التي دارت أمام ميدان الساعة، في مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة، لتفجر جدلاً وتخوفات حول ما إذا كانت الأزمة الحالية ستؤدي بمصر إلى احتراب أهلي على خلفية الصراعات السياسية المحتدمة، أم أن سيناريوهات انفراج الأزمة ستكون الأسرع إلى الصعود على خلفية الاحتجاجات الشعبية. وضع سيناريو الاحتراب الأهلي على المائدة جاء نظراً لطبيعة مدينة دمنهور، التي لم تعرف الاشتباكات منذ الثورة، فضلاً عن تصاعد حدة هذه الاشتباكات في مدينة حيث تتمتع جماعة الإخوان بأغلبية، وترافق ذلك مع هبوط شعبية الجماعة فيها نسبياً بعد الانتخابات التشريعية.
هذه العوامل جعلت الخبراء يرجحون أن المدن الأخرى، والتي لا يسيطر الإخوان فيها، ستكون فيها الاشتباكات مرشحة للتصاعد إذا ما استمر الاحتقان والاستقطاب دائرين في الشارع. ولعل الأخطر سقوط مصابين، وصل عددهم في دمنهور إلى 70 أو يزيد على مدى يومين من الاشتباكات في منطقة ميدان الساعة أغلبهم من جماعة الإخوان.
وهو الأمر الذي دفع الجماعة إلى اتهام التيار الشعبي وحزب الدستور بالتحريض على اقتحام مقر الجماعة التاريخي، مثلما حدث في محافظات أخرى بمصر وإعطاء الذريعة لبلطجية الفلول برفع وتيرة العنف والانتقام من جماعة الإخوان.
ومن الأسباب الأخرى التي جعلت البعض يتوقع هذا السيناريو، سلوك الشرطة في أيام الاشتباكات. فجماعة الإخوان تتهم الشرطة بأنها استفزت المتظاهرين بمطاردتهم دون داعٍ لشوارع جانبية، فضلاً عن عدم إمساكها بالبلطجية أو موافقتها على تأمين المقر. وهو أمر مشابه للاتهام الذي وجهته جماعة الإخوان المسلمين للشرطة المتواجدة حول مقرها في الإسكندرية الجمعة الماضية.
في المقابل، اتهم التيار الشعبي وحزب الدستور الإخوان بالاستفزاز والهيمنة على الميدان ووضع عصي وحجارة بداخله لاستخدامها ضدهما، نافيين نيتهما الهجوم على مقر الإخوان. واتهما الجماعة بأنها من جلبت بلطجية لحماية المقر.
هذا المشهد في هذه المدينة الصغيرة، كان كاشفاً لحجم الانقسام الذي يشهده الشارع السياسي المصري. فالكثير من الخبراء يرون أنه لولا عمق الأزمة لما وصل العنف لمدينة هادئة مثل دمنهور. وقد شهدت جنازة إسلام مسعود، خروج الآلاف لتشييعه، وردد شباب الإخوان هتافات تؤكد أن النفوس باتت مشحونة حيث هتفوا قائلين «يا شهيد نام وارتاح وإحنا نواصل الكفاح»، «إحنا الإخوان الله أكبر، أقسمنا يميناً لن نقهر وكتاب الله بأيدينا حنخلي اليابس يبقى أخضر».
إلا أن القيادي الإخواني في المحافظة، عضو مجلس الشورى العام للجماعة، جمال حشمت، نفى أن يكون هناك أي احتراب أهلي مقدمة عليه البلاد، متهماً المرشح السابق للرئاسة، خالد علي، بالترويج لهذا المصطلح عقب الإعلان الدستوري، لرغبة القوى السياسية في نزول الجيش وتعطيل وضع الدستور. كما اعتبر أن ما يحدث هو تحرك لدولة مبارك ودولة البلطجة بموافقة الأحزاب لمنع استقرار البلاد في ظل حكم الإسلاميين.
وقد استبعد كثير من الأهالي الوصول للاحتراب الأهلي، مرجعين ذلك إلى أن «أكل العيش» هو الشاغل الأول لهم، وأن ما يحدث لا يعنيهم كثيراً. هذا الأمر أكده أيضاً حال جزء من الشارع المصري الذي لم يجد في قرارات مرسي ما يمسه بشكل مباشر ولا في مطالب المعارضين للقرارات. وهو ما يعني أن الشارع العادي بات رقماً مؤجلاً في المعادلة حتى إشعار آخر.
هذا الاستبعاد من قبل جماعة الإخوان للاحتراب الأهلي، جعل آخرين يرجحون السيناريو اللبناني الذي وقع في عام 2005، حينما اقتسمت القوى السياسية ميدان رياض الصلح وساحة الشهداء في المعركة السياسية التي دارت بين القوى السياسية هناك لإثبات كل طرف أنه الأقوى والأقرب إلى الشارع، وهي درجة من الاحتراب السياسي السلمي.
ويرجح هذا السيناريو اقتسام جماعة الإخوان والأحزاب المناهضة لها للميادين والشوارع، ومنافسة كل طرف منهما لإظهار أنه القوة الأكبر، وأنه لن يرضخ للطرف الآخر، وأنه يملك الشارع. ويبدو أن هذا السيناريو سيمتد لفترة طويلة نظراً لحالة الاستقطاب الحادة التي تجاوزت فيها المطالب سقوط الإعلان الدستوري، وذلك بموت الناشط محمد جابر، وغيره على يد أجهزة الشرطة، وإصرار القوى العلمانية والليبرالية على رفض الإعلان الدستوري ورفض تشكيل الجمعية التأسيسية.
يضاف إلى ذلك، القوة التي استمدتها فلول الحزب الوطني والنظام السابق حيث دخلوا على الخط بوصفهم رقماً في المعادلة من خلال رموزهم في القضاء وفي الأوساط السياسية، من خلال تحالفهم مع بعض الأحزاب، بما منحهم غطاء ولو مؤقتاً.
ولا يمكن إغفال مؤسسات القوة في هذا المشهد، سواء كان الجيش أو الشرطة، فكلاهما يعتبر رقماً شبه حاسم في الصراع، وسلوك كل منهما سيكون مؤشراً قوياً في اتجاه الصراع. فالجيش لا يزال بعيداً عما يحدث، ولا يريد التدخل لصالح أحد رغم الاستدعاء المبطن الذي يطلقه من وقت لآخر بعض قادة القوى المناهضة لمرسي ليتدخل. بينما يبدو أن مرسي يعتمد على تحييد الجيش أو تدخله لصالحه إذا طلب الواقع ذلك، إلا أن الجيش لم يصدر موقفاً حتى الآن ويبدو أنه لم يحدد موقفاً حاسماً بعد في هذا المشهد المضطرب.
أما الشرطة، الغائب الحاضر، فهي تبدو كمن ينتظر أن تتخلص كل القوى المشاركة في الثورة من بعضها البعض، وتتعامل بنوع من الرعونة الملحوظة. فهي ترفض تولي تأمين مقار الجماعة بشكل جدي، وتساهم في استفزاز كافة الأطراف، فضلاً عن تراخيها في إحكام القبضة الأمنية على مملكة البلطجة في مصر، ويزداد طلب الثأر منها كل يوم، لذا فإن أحداً من القوى السياسية يخشى أن يستدعيها لتقف في صفه لما تحمله من سمعة سيئة، وفي نفس الوقت لا يستطيع المجتمع الاستغناء عنها.