دمشق | في زمن العنف والموت، بدأ أبناء البلاد بابتكار أسلوب حياة جديدة. هُنا المزة. تتأثر حركة الأتوستراد حسب الوضع العام، فإن كان من تصعيد خطير في بعض المناطق تنعدم حركة السير، وإن كانت الأحداث اعتيادية يصبح الزحام خانقاً بسبب تحويل معظم طرق المرور إلى قلة من شوارع دمشق التي تشكّل ممرّاً آمناً، إلى حد ما. السيارات في المزة تقف على الإشارات الضوئية، ولشرطي المرور هيبته، إذ إن المخالفات المرورية حاضرة. ورغم استهداف المنطقة عبر عدد كبير من الانفجارات إلا النظام لا يزال حاضراً في نفوس المواطنين. سامر، أحد سكان الحي، يعتبر أن استهداف الحي يأتي على اعتبار أنه حاضنٌ لعدد كبير من المؤيدين، بالإضافة إلى كونه منطقة استراتيجية محاطة بعدد كبير من القطع العسكرية. ومن هُنا، بحسب رأيه، يأتي اطمئنان الناس رغم محاولات التصعيد الأخيرة لجر المنطقة إلى توتر جديد.
أما طلال، طالب في إحدى مدارس المزة الثانوية، فهو يرى أن الناس خائفون من أن يخرجوا من منازلهم وبعضهم يشترون حاجياتهم بحذر، فيما لا يمكن عدم التوقف طويلاً عند خلوّ الشارع من المارة ما بعد الساعة الثامنة مساء وندرة السيارات. ويستدرك قائلاً: «لا يزال الناس في المنطقة منضبطين بسرعة السير المحددة، وبتعليمات الأمان والتبليغ عند الاشتباه بأي عبوة أو سيارة أو أشخاص».
وباتجاه أبو رمانة وساحة عرنوس، ورغم تحويل معظم الطرق المؤدية إلى داخل أحياء العاصمة، وما ولّده ذلك من ازدحام مروري خانق أدى إلى تذمّر دائم للسكان، لا يمكن لأحد تجاوز النظام. نظام الدور على الحواجز، والتقيد بقوانين السير، في حين لا تزال قلة من السيارات تسير بسرعة زائدة على أتوسترادات دمشق هرباً من خطرٍ ما خلال أوقات متأخرة من الليل.
وعلى المقلب الآخر، فإن مخيّم اليرموك يشهد ازدحاماً مرورياً رهيباً عبر شارعه الرئيسي الآمن نسبياً وصولاً إلى سوق لوبية، إلا إن للحياة هُنا قوانين أُخرى. الوصول إلى المكان محفوف بالمخاطر والشارع الفاصل بين التضامن والمخيم يمتلئ بالقناصة الذين يستهدفون كل الداخلين والخارجين إلى المنطقة، حتى الشبان القادمين للتطوع بين عناصر الجيش الحر. وعليه، فإن السيارات تعبر الشارع بسرعة جنونية غير مكترثة بقوانين السير والشارات الضوئية. بل يمكن رؤية إحدى السيارات تعبر الرصيف للخروج من الحي الزاخر بالرصاص والقذائف، فيما يندر وجود شرطة المرور.
محمد، عنصر من اللجان الشعبية في المخيم، يقول: «مهمتنا محاولة الحفاظ على حيّنا آمناً من محاولات توريطه في اللعبة السياسية القائمة في سوريا». ويشير إلى حدود المربع الآمن في المخيم، إذ إن المنطقة محاصرة بالتضامن والحجر الأسود والميدان وهي أحياء ساخنة وبعضها يعيش أقسى حالات القصف والقصف المضاد. ويذكر أن الحفاظ على الحياة هو القانون الوحيد في الحي، متضمناً الدفاع عن النفس، فشارع الثلاثين، بحسب قوله، يشهد حالات اختطاف وقنص وقذائف، والخروج منه محفوف بالمخاطر حيث يبدو بوضوح للواقفين على الحاجز الأمني الأخير حجم الدمار الذي حلّ بمنطقة الحجر الأسود، وباعتبار الحاجز يتواجد في نقطة تماس مباشرة ومكشوفة مع هذه المنطقة المتوترة، يتوقع الجميع أن تمطر السماء قذائف في أي لحظة.
لا يزال سكان دمشق يدفعون الضرائب ويتوقفون على إشارات المرور ويمضون إلى أعمالهم، في ما يوضح هيبة الدولة التي لا تزال لها سطوتها في تطبيق القوانين، أو لعلّها رغبة دفينة من سكان بعض المناطق بألا تسقط مؤسسات الدولة. لكن هذه الهيبة تضمحل مع توسع رقعة العنف في البلاد، وهو ما ظهر بعد سقوط قذيفة في محيط ملعب الجلاء بالمزة وما أعقبه من إطلاق نار، الأمر الذي أدّى إلى حالة من الهلع دفعت البعض إلى السير بسياراتهم بسرعة جنونية هرباً من أصوات الخطر المحدق، ولتولد أسئلة بلا إجابات واضحة.. إلى متى ستبقى للدولة هيبتها في المناطق الآمنة؟ وهل ستبقى مناطق آمنة حقاً وبمنأى عن التصعيد؟