حصل ذلك عند الساعة السادسة والـ37 دقيقة مساء الخميس أول من أمس. ما قبل هذا التوقيت ليس كما بعده، لأن ما قبل قصف تل أبيب ليس كما بعده. عندها اجتاز الصاروخ الأول من طراز «فجر 5» حدود منطقة «غوش دان» مطلقاً صافرة الإنذار ومحولاً مئات آلاف الإسرائيليين المذعورين إلى جزء من إحصائيات المواجهة الدائرة على جبهة غزة. استغرق الأمر دقائق حتى يستوعب «التل أبيبيون» وقع الصدمة التي عصفت بهم، وفيما هم يهرولون إلى أماكن مسقوفة للاحتماء من «حجارة سجيل» المقاومة الفلسطينية، كانت عبارة «لا أصدق» هي العبارة الأبرز التي تتردد على ألسنتهم.
سريعاً انتشر نبأ تعرض تل أبيب، المدينة التي كان حتى أمس «التابو» (المحظور) الأخير في معادلات الردع الإسرائيلية حيال أعداء الخارج، لصلية صاروخية مدوية. لم يكن ذلك رداً إيرانياً على مهاجمة إسرائيل لمنشآت التخصيب في نتانز وفوردو، كما أنه لم يأت في سياق «التوأمة القصفية» المعلنة من قبل حزب الله مع بيروت والضاحية. «تابو» تل أبيب سقط على أيدي الجهة التي تعدّها إسرائيل الحلقة الأضعف في محور المقاومة، وهي قطاع غزة.
اختصر أحد سكان المدينة حجم الدلالات التي انطوى عليها الحدث بالقول «صفارة إنذار في تل أبيب. هذا ضرب من الهلوسة». آخرون قالوا إنهم لم يحلموا بأن يحصل هذا عندهم. المدينة التي يطلق عليها في إسرائيل لقب «مدينة من دون توقف» تحولت خلال دقائق إلى «مدينة من دون حركة»، في ضوء حالة الشلل التي أصابت معظم أحيائها. كان حدثاً استثنائياً أن يشاهد المرء، ولو من على شاشات التلفزة ومواقع الإنترنت، برجوازية إسرائيل وطبقتها المخملية تحتمي مذعورة على أدراج الأبنية أو في ملاجئها. مشاهد ألفها عن أهله وشعبه في عهود خلت، كان الجبروت الإسرائيلي عنوانها. حدث استثنائي أن يعيش المرء في عهد جعلت منه المقاومة زمن الانتصارات.
وزير الجبهة الداخلية الإسرائيلي، آفي ديختر، أقر بـ «ليلة قاسية مرت على تل أبيب لم تعهدها المدينة من قبل». قساوة صنعها صاروخان اثنان أطلقتهما سرايا القدس من على مسافة نحو سبعين كيلومتراً في قطاع غزة، حملا معهما «الرعب والخوف» على حد تعبير شهود، ودفعا بكثيرين إلى البكاء ذعراً. مصادر إسرائيلية تحدثت عن حركة نزوح من المدينة، فيما كانت صافرات الإنذار تتنقل بين منطقة وأخرى، وتجعل من منطقة وسط وجنوب إسرائيل مساحة مفتوحة من الإرباك والهلع تحسباً لسقوط الصواريخ. منطقة انضمت إليها عصر أمس القدس المحتلة، مع سقوط ثلاثة صواريخ قريباً من إحدى المستوطنات المحيطة بها.
قيادة الجبهة الداخلية، التي كانت قد حصرت توجيهات الاستعداد والتأهب بالبلدات والمدن الواقعة ضمن شعاع 40 كيلومتراً عن القطاع، أعادت النظر في تقديراتها بعد قصف تل أبيب، وصارت ترجح امتلاك فصائل المقاومة الفلسطينية قدرات صاروخية بعيدة المدى. وبحسب ما أعلن في إسرائيل، فإن هذه القيادة شددت أوامرها أمس لسكان الوسط والجنوب بضرورة أن يدخل كل من يقيم ضمن شعاع 75 كيلومتراً عن قطاع غزة إلى الملاجئ أو إلى مجال محصن عند سماع صفارات الإنذار أو أصوات انفجارات. وفي حال عدم وجود ملجأ نصحت قيادة الجبهة بالوقوف في مداخل المباني، كما أصدرت قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية تعليماتها للبلديات والمجلس المحلية في منطقتي وسط وجنوب إسرائيل بالاستعداد لسبعة أسابيع من القتال في إطار عملية «عمود السحاب» وبتجهيز احتياطات الطوارئ المختلفة بالاستناد إلى هذه الفترة المقدرة.
وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن قائد الجبهة الداخلية، الجنرال أيال آيزنبرغ، يعقد اجتماعات دورية مع الجهات المعنية، أبرزها رؤساء البلديات وقادة المناطق والقطاعات التابعة لقيادته، لينسق معهم طبيعة الإجراءات اللازمة لحمايتهم من صواريخ المقاومة الفلسطينية. وأصدر آيزنبرغ أوامر لمرفأ أشدود وللمصانع التي تحتوي على مواد خطيرة ضمن المدى الصاروخي للمقاومة بالإخلاء الفوري لهذه المواد، أو بتحصين أماكن تخزينها.
وفي إطار حال الاستنفار التي تعيشها، استدعت قيادة الجبهة الداخلية خلال الأيام الثلاثة الماضية 2000 جندي احتياط لأداء مهمات مختلفة، مثل المساعدة في أعمال الإنقاذ وتأهيل الملاجئ وتقديم الدعم للمستشفيات التي أعلنت أمس رفع حالة التأهب في كافة أرجاء إسرائيل.
في سياق متصل، تحدثت تقارير إسرائيلية، أمس، عن فرض الرقابة العسكرية الإسرائيلية قيوداً على وسائل الإعلام في تغطيتها لسقوط صواريخ المقاومة الفلسطينية، حرصاً منها على عدم تقديم معلومات مجانية إلى الفلسطينيين من خلال الإعلام.
وطالبت الرقابة محرري وسائل الإعلام الرئيسية بتحمل المسؤولية، وذلك من خلال عدم ذكر الأماكن الدقيقة لسقوط الصواريخ، وخاصة عندما تكون هناك إصابات، لأن الفلسطينيين يراقبون وسائل الإعلام الإسرائيلية ويستثمرون المعلومات لمصلحتهم، على حد تعبير ممثلي الرقابة.
وقالت المسؤولة في الرقابة العسكرية، سيما فاكنين جيل، لإذاعة الجيش الإسرائيلي «هناك سياسة إعلامية متبعة منذ عملية الرصاص المصهور، وعلى الإعلام الإسرائيلي أن يتحمل مسؤولياته، وأن يمتنع عن الإدلاء بأي معلومات يمكن أن يستفيد منها الطرف الآخر». وحذرت من أن أي تصريحات يمكن أن يدلي بها مسؤولون إسرائيليون رسميون ورؤساء سلطات محلية وبلديات وطواقم إنقاذ، قد تتضمن معلومات حساسة، مؤكدة أن الرقابة تقوم بالاتصال بمختلف الجهات والمسؤولين لتذكيرهم بالمسؤولية الملقاة عليهم في هذا السياق، وبالخطوط التي حددتها الرقابة.