الجمعة، التظاهرات الغاضبة تعمّ الأردن كله. في وسط عمان، يشتبك الدرك مع آلاف المتظاهرين المتجهين إلى الديوان الملكي، مرددين الشعار الغائب، سابقاً، عن الحراك الأردني: « الشعب يريد إسقاط النظام». منذ ليل الثلاثاء، واجهت التجمعات الجماهيرية العفوية قرار زيادة أسعار المشتقات النفطية، بإعلانها التصعيد السياسي؛ نفد صبرها المستمرّ لسنتين من التعقّل الوطني الباحث عن حل توافقي لاستئصال الفساد ومراجعة الخصخصة واستعادة القطاع العام. هل فاتت الفرصة الآن؟
لليوم الرابع، لا تزال الجماهير الغاضبة في حالة هجوم شامل: ما لا يُحصى من المظاهرات والاعتصامات في المدن والأرياف والبوادي، وأيضاً: في المخيمات. للمرة الأولى، يُشغل فلسطينيّو الأردن بأولوية التغيير الداخلي على أولويات غربيّ النهر، حتى في عز العدوان على غزة. (هل تأردنوا؟)
لكن مشهد الانفلات الأمني يثير التساؤلات بشأن احتمالات الفوضى. ففي الـ48 ساعة الأولى من الهبّة، وقع، حسب تقرير للأمن العام، 100 خرق فادح باستخدام الأسلحة والمولوتوف لقطع الطرق وإحراق مؤسسات الدولة. ما يكشفه التقرير هو أقلّ مما حدث فعلاً. لم يأت، مثلاً، على شروع ميليشيا عشائرية في إنشاء مربع أمني في «ناعور» في ريف العاصمة. وهي ظاهرة قابلة للتكرار والانتشار؛ فالأردنيون، حتى أولئك «الإيليت» في غرب عمان، ينتظمون في عشائر لها معاقل ريفية، حيث توجد نوى لميليشيات محلية شديدة التعقيد في تركيبتها من قبضايات ومتعطلين وذوي سوابق إلخ وسلفيين جهاديين. وتحظى، غالباً، برعاية عشائرية أو سياسية.
واجه حكّام البلد، الصدمة، كمستشرقين؛ لم يتوقعوا ردّ الفعل على قرارات مالية صدرت عن عقلية محاسبيّة مقفلة على فهم الأزمة الاجتماعية السياسية الأردنية. وحين انفجرت، صدّقوا قناة «الجزيرة»، فناشدوا « الإخوان المسلمين» تهدئتها، مقدمين لهم هدية مجانية. فهؤلاء ــ كسواهم من التيارات السياسية و«الوجهاء» إلخ ــ أصبحوا، لدى انطلاق الهبة الجماهيرية، خارج الميدان الذي يخضع لـ«الجماهير» وقياداتها المحلية. وهي كسرت، منذ اللحظة الأولى لاقتحامها السياسة، قواعد اللعبة، وتتجه إلى تأسيس قواعد اشتباك جديدة مع النظام ومعارضيه وحلفائه وخصومه معاً. ولذلك، بدا إعلان « الإخوان». عن حل قائم على « الإصلاح السياسي» و«توسيع العملية السياسية» نافلاً، عقيماً، بلا معنى: الصيغة الأردنية القائمة انتهت. وبغض النظر عن المآل المؤقت للأحداث الراهنة، يواجه البلد مسارين؛ أولهما مرجّح، وهو الفوضى والعنف. وثانيهما ممكن، وهو الحل الوطني الاجتماعي في إطار دولة جديدة. وأتابع يوم الاثنين.