صعّدت إسرائيل، أمس، من حدّة اعتدائها ومستواه على قطاع غزة. اغتالت قائد الذراع العسكرية لحركة حماس، أحمد الجعبري، في موازاة إعلان تل أبيب أنّ سلاح الجوّ الاسرائيلي «دمّر» معظم الصواريخ البعيدة المدى لحركتيْ حماس والجهاد الإسلامي في القطاع، وسط تهديد من أعلى المستويات القيادية في تل أبيب بأنّها لن تتردّد في الدخول البري واجتياح القطاع، بعد ما أعلنت تجنيد وحدات الاحتياط في الجيش، إنذاراً بأنّها على استعداد للذهاب بعيداً في المواجهة.
وفيما كانت الأجواء، صباح أمس، تشير إلى إمكان الاعلان عن تهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، بعد أيام من تبادل القصف الصاروخي والتصعيد الأمني، اغتالت إسرائيل الجعبري ومرافقه، عبر طائرة من دون طيار، استهدفت السيارة التي كان يستقلها في أحد شوارع مدينة غزة.
بالتزامن مع عملية الاغتيال، قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إنّ طائرات سلاح الجوّ استهدفت مواقع ومنشآت عسكرية وأمنية فلسطينية، وصفها بأنها الأوسع والأكثر دقة وشمولية منذ عملية «الرصاص المصهور» أواخر عام 2008. وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية إنّ الغارات نفذت بعد خمس دقائق من اغتيال الجعبري، واستهدفت مراكز عسكرية ومخازن لحماس والجهاد الاسلامي، وأدّت إلى تدمير معظم الترسانة الصاروخية ذات المديات التي تزيد على أربعين كيلومتراً، والقادرة على استهداف تل أبيب، ودائماً بحسب الادعاء الإسرائيلي. وفي مواكبة لعمليات القصف والاعتداء على القطاع، حرصت القيادة السياسية، وتحديداً رئيس حكومة العدو بنيامين نتيناهو، ووزير حربه إيهود باراك، على التوظيف السياسي للضربات العسكرية. وأعلن نتنياهو، في مؤتمر صحافي مساء أمس، أنّه «لا يمكن إسرائيل القبول بالتهديد الصاروخي المستمرّ على مواطنيها»، مؤكداً أنّ «أيّ دولة أخرى في العالم لا تقبل بمثل هذه الممارسات». وأضاف أنّ «الغارات على القطاع قلّصت بشكل ملحوظ من قدرة العدو على إطلاق صواريخ من القطاع، باتجاه وسط البلاد»، فيما أطلق تهديدات بإمكان توسيع اعتداءاته، وشدّد على أنّه «سيتم توسيع نطاق عملية الجيش في قطاع غزة، إذا كانت هناك حاجة إلى ذلك».
بدوره، قال وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك إنّ هدف العملية العسكرية في قطاع غزة يتمثل في تعزيز قدرة الردع الإسرائيلية، وإصابة نظام إطلاق الصواريخ البعيدة المدى في أيدي التنظيمات الفلسطينية، إضافة إلى تقليص إمكان استهداف المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الجنوبية لإسرائيل. وتطرّق باراك إلى عملية اغتيال الجعبري، مشيراً إلى أنّ «المعلومات الاستخبارية هي التي أدّت إلى تصفية الجعبري، وتدمير معظم الصواريخ من طراز «فجر» ذات المديات البعيدة، الموجودة في القطاع»، فيما دعا المستوطنين إلى توخّي الحذر والتعقل، لأنّ «إعادة الهدوء الأمني إلى نصابه في المدى المنظور لن تحصل سريعاً».
ونقلت القناة الأولى في التلفزيون العبري عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إنّ «العملية في قطاع غزة ليست إلا رسالة واضحة المعالم، وموجهة إلى حركة حماس تحديداً، بأن إسرائيل تنوي أن تعيد صوغ قواعد لعبة جديدة مع قطاع غزة»، مشيرةً إلى أنّ «الصورة التي تشكلت بعد الغارات على القطاع، ليست تلك الصورة التي ظهرت فيها إسرائيل بعد استهداف الآلية العسكرية التابعة للواء «غفعاتي» بصاروخ كورنيت السبت الماضي، بل صورة ذلك الذي يقف وراء خطف الجندي جلعاد شاليط، الذي تلقّى ضربة مباشرة، وأدت إلى تصفيته»، في إشارة منها إلى الشهيد الجعبري.
وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون الأمنية والسياسية التأم أمس في جلسة طارئة، للبحث في طلبات المؤسسة العسكرية والجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي، لمواجهة أيّ تطورات قد تحصل ميدانياً، رداً على الاعتداءات في القطاع. وقال سكرتير الحكومة، تسبي هوزر، إنّه تقرّرت سلسلة من الإجراءات والخطوات، وكان في مقدمتها «إصدار الأوامر إلى الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) بمواصلة العمل بحزم ضد البنى التحتية الارهابية في قطاع غزة، بهدف تحسين الواقع الأمني للإسرائيليين، والسماح لهم بممارسة حياة طبيعية». ونقلت القناة الثانية في التلفزيون العبري أنّ جلسة «الوزاري» المصغر صدّقت على السماح للجيش الاسرائيلي، وفقاً للحاجة، وبأمر من وزير الدفاع إيهود باراك، بتجنيد وحدات احتياطية، للقيام بخطوات وعمليات برية في قطاع غزة، مشيرةً إلى أنّ «إسرائيل ستعمل، في حال دخول القوات الإسرائيلية إلى القطاع، كل ما تستطيع لتجنيب المدنيين الفلسطينيين أيّ إصابات، وبما يتوافق مع قواعد القانون الدولي»، لكنها أشارت في المقابل إلى أنّ حركة حماس والجهاد الاسلامي و«التنظيمات الارهابية الأخرى» تستخدم المدنيين الفلسطينيين دروعاً بشرية، وتنشر وسائلها القتالية بالقرب من الدور السكنية والمساجد والمستشفيات، الأمر الذي سيسبّب إصابات لا تريدها إسرائيل. وذكرت القناة الثانية الاسرائيلية أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون الامنية والسياسية أنشأ منتدى جديداً بات يدعى منتدى الثلاثة، وأوكل إليه اتخاذ الاجراءات اللازمة، بما فيها القرارات التنفيذية، حيال كل ما يتعلق بالعملية الجارية في قطاع غزة، مشيرة الى أنه يتألف من بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك، ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان.
وتناغم المراسلون العسكريون مع التهديدات الإسرائيلية بالحديث عن الاجتياح البري للقطاع، وإمكان تصعيد عمليات الاغتيال، في حال واصلت الفصائل الفلسطينية قصفها للمستوطنات. وأشارت القناة الأولى في التلفزيون العبري إلى أنّ «من كان قادراً على اغتيال الجعبري قادر بالتأكيد على اغتيال غيره». وأشارت إلى أنّ «النية موجودة لدخول القطاع برياً، وإذا قررت إسرائيل ذلك بالفعل، فسيكون مغايراً لعملية الرصاص المصهور عام 2008»، مؤكدةً أنّ «العملية البرية ستكون سريعة ودراماتيكية، ولن تستمرّ طويلاً، منعاً لاستمرار تساقط الصواريخ مدة طويلة من الزمن».
وأشارت القناة إلى أنّ عملية «عمود السحاب» بدأت باغتيال شخصية أساسية لحركة حماس، وبعد ذلك استهدفت إسرائيل القدرات الاستراتيجية للفصائل الفلسطينية، «والاعتقاد السائد هنا أنّ حركة حماس قد فهمت الرسالة جيداً، ويجب عليها أن تخشى من اغتيال أشخاص آخرين». مع ذلك، ذكرت المراسلة السياسية للقناة، ايالا حسون، المقربة من القيادة السياسية في إسرائيل، أنّ ما يحصل ليس حرباً تستدعي عملاً برياً. وأشارت إلى أنّ ما تقوم به إسرائيل شبيه بما قامت به الولايات المتحدة في استهداف زعيم القاعدة أسامة بن لادن، «وبالتالي فإنّ العملية البرية موضوع مختلف، وتستلزم إعداداً من نوع آخر. وإذا قامت إسرائيل بالعملية البرية العسكرية، فإنها قد لا تعلم كيف تخرج منها»، مشيرة إلى أنّ «بنك الأهداف كبير جداً، ويمكن إسرائيل أن تختار منه ما تريد، في حال قرّر الفلسطينيون مواصلة التصعيد في مواجهة إسرائيل».
يشار إلى أن الإدارة الأميركية لم تكن بعيدة عن صورة تصعيد الاعتداءات الإسرائيلية، وبشكل مسبق، بما يشمل قرار اغتيال الجعبري، إذ كشف موقع صحيفة «معاريف» على الإنترنت أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، اللواء يعقوب عميدرور، توجه بداية الأسبوع الحالي إلى واشنطن، سراً، والتقى في البيت الأبيض مع نظيره الأميركي توم دونيلون، حيث بحث الجانبان سبل الردّ الإسرائيلي على ما سمّته الصحيفة إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل. وذكر مراسل الشؤون العسكرية في القناة العاشرة الإسرائيلية أنّ القرار المتخذ في تل أبيب هو أنّ العملية العسكرية ستتواصل ضد قطاع غزة، وبوتيرة تصاعدية، إلى أنّ تقرّر حركة حماس استسلامها أمام الوقائع.