رام الله | في الساعات الأولى من صباح التاسع والعشرين من تشرين الأول 2004، كانت المرة الأخيرة التي يودع فيها الفلسطينيون رئيسهم ياسر عرفات حياً، ليعود في الحادي عشر من تشرين الثاني لوداع آخر مختلف. إنه الوداع الأخير. يومها عاد عرفات في نعش من فرنسا ليعانق تراب وطنه في قبر بني خصيصاً أمام مقره، على أمل أن يدفن تحت تراب القدس المحتلة في يوم ما، كما كانت وصيته. ثمانية أعوام مضت، دون أن يتمكن أحد من جزم سبب الوفاة وتحديد ما اذا كان قد اغتيل والجهة التي نفذت ذلك. لكن القضية عادت مجدداً لتثار بعدما كشف تحقيق استقصائي لقناة «الجزيرة» القطرية قبل أشهر أن عرفات توفي مسموماً بمادة «البولونيوم 210». هذه الفرضية جاءت بعدما أكد مختبر لوزان السويسري أن هذه المادة الإشعاعية القاتلة كانت موجودة على ملابس عرفات عند نقله إلى مستشفى فرنسي حيث توفي هناك. يومها طالب خبراء وأطباء بتحليل عينة من الرفات لتأكيد هذه الفرضية. أما أمس، فكشف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في خطاب ألقاه في ذكرى استشهاد عرفات، عن وجود خبراء روس للتحقيق في وفاة عرفات «الغامضة»، مشدداً على أن السلطة الوطنية لم تأل جهداً في البحث والتنقيب والتحقيق لمعرفة حقيقة استشهاد أبو عمار. وأضاف «أولينا اهتمامنا لما صدر عن المعهد السويسري، وأجرينا اتصالات مع الجانب الفرنسي، ويجري التنسيق التام في هذه الأيام بيننا وبين محققين فرنسيين والخبراء السويسريين والروس لفتح الضريح على أمل أن تظهر حقائق جديدة حول أسباب الوفاة، سنعلنها مباشرة لشعبنا وللرأي العام، فهذه قضية أكبر وأهم من أن تكون فرقعة إعلامية كما فعلت الجزيرة».
أما الناطق الرسمي باسم حركة فتح، عضو لجنتها المركزية، نبيل أبو ردينة، فأوضح أن «اللجنة استمعت إلى تقرير مفصل من رئيس لجنة التحقيق في استشهاد الرئيس ياسر عرفات توفيق الطيراوي، وما توصلت إليه حول قضية فتح ضريح الرئيس الشهيد أبو عمار». كما أكد أن اللجنة أكدت استعدادها الكامل للتعاون مع كافة الأطراف ذات العلاقة، للوصول إلى الحقيقة الكاملة حول كيفية استشهاد عرفات.
بدوره، أكد توفيق الطيراوي، رئيس لجنة التحقيق بوفاة عرفات، أن وفداً سويسرياً زار رام الله في الضفة الغربية قبل عدة أيام، وعاين مكان ضريح عرفات وعاد إلى سويسرا. لكنه أكد أنه «لا يوجد حتى الآن موعد محدد لعودة الفريق لفتح الضريح وأخذ عينات من رفات الرئيس عرفات». وأشار إلى أن «هناك مشاورات مع وفد فرنسي لأخذ عينات من الرفات وفحصها في باريس أيضاً». وأوضح الطيراوي أن «الضريح سيفتح مرة واحدة رغم وجود فريقين طبيين في حال تم الاتفاق مع الوفد الفرنسي».
في السياق، أكدت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن من المتوقع استخراج جثمان الزعيم الراحل في أواخر الشهر الجاري وبالتحديد بين يوم 26 ونهاية الشهر، وذلك بعد أن كانت السلطة الفلسطينية قد رحبت في أيلول الماضي بعرض من معهد لوزان السويسري، لإرسال خبراء من أجل أخذ عينات من رفات عرفات لكشف ملابسات وفاته.
لكن قضية نبش قبر عرفات باتت موضوع انقسام ليس فقط في الشارع الفلسطيني بل أيضاً في أوساط أسرته. ففي حين فتحت زوجته سهى الطويل القضية وطالبت بفتح قبره، برز موقف آخر من شقيقة الرئيس وابنها ناصر القدوة، اللذين أبديا اعتراضهما على هذه الخطوة.
ودعت خديجة عرفات، شقيقة الزعيم الفلسطيني المسؤولين الفلسطينيين إلى الكشف عن ملابسات وظروف وفاته الغامضة دون نبش قبره، متسائلة «ماذا يفيد إعادة استخراج رفاة أبو عمار الآن، وهل معاقبة من فعل هذا الشيء لا تتم إلا باستخراج رفاته؟». وأضافت «إذا كانت القيادة تعرف من فعل ذلك فهي تستطيع محاسبته بأسلوبها الخاص دون اللجوء إلى نبش قبره».
بدوره، وصف القدوة فكرة نبش قبر عرفات بالبغيضة والهادفة إلى «تدنيس قبره والمساس برمزيته». وأضاف «الجميع بات مدركاً تماماً أن القائد المؤسس تم اغتياله من قبل إسرائيل بالسم، والشواهد والدلائل كانت كثيرة، وتضمنت قرارات رسمية من الحكومة الاسرائيلية بازاحة عرفات».
يذكر أن أبو عمار كان قد حوصر إسرائيلياً في مقره «المقاطعة» في مدينة رام الله، لثلاث سنوات متتالية من العام 2001 إلى العام 2004، قبل أن يغادر إلى فرنسا لتلقي العلاج، حيث توفي في مستشفى باريس العسكري.