القاهرة | اختارت الكنيسة القبطية المصريّة أمس الأنبا تاوضروس ليخلف الأنبا الراحل شنودة، الذي سيجري تكريمه عبر اختيار 18 تشرين الثاني، تاريخ جلوسه على الكرسي البابوي، موعداً لتولي الأنبا الجديد مهمّاته. واللافت أن تاريخ القرعة الهيكلية (4 تشرين الثاني) هو يوم ميلاد الأنبا تاوضروس، عام 1952، ليكون إتمامه الستين من عمره هو يوم اختياره بابا الاسكندرية وبطريركاً للكرازة المرقسية.
وكان تاوضروس، الذي تخرج من كلية الصيدلة، في جامعة الإسكندرية عام 1975، واسمه بالميلاد وجيه صبحي، تلميذاً مباشراً للقائم مقام الحالي الأنبا باخوميوس، أحد رجال الكنيسة المعروف عنهم الحكمة والهدوء، أثناء توليه منصب أسقف عام الخدمات بأبرشية البحيرة، وذلك بعدما حصل على بكالوريوس الكلية الإكليريكية عام 1983 وعلى زمالة الصحة العالمية في انكلترا عام 1985، ثم عمله مديراً لإحدى شركات الأدوية بدمنهور، وترهبنه عام 1988، ليحمل لقب «الأنبا» بعد رسامته أسقفاً عام 1997.
هذا التقارب أكسب تاوضروس صفات اجتماعية جعلت الكثيرين يتوسمون فيه الجمع بين خبرة الأسقف العملية وهدوء وحكمة الراهب الروحية، فهو يدعو إلى العيش المشترك مع المسلمين ويشجع الشباب على الخروج من العزلة، وينادي بتطوير وتحديث وسائل التعامل مع الشباب.
وقال الأنبا تاوضروس، في أول تصريحات صحافية عامة له عقب إعلان نبأ فوزه بالمنصب، إنه يصلي من أجل أن يساعده الله على تحمل المسؤولية الكبيرة، وأنه سيسعى إلى أن يكون بابا لكل المصريين.
وبالرغم من التهانئ والزغاريد والفرح، التي واكبت وتلت إعلان اختيار تاوضروس، الذي سيحمل لقب «تاوضروس الثاني»، بعدما حمل البابا الرقم 45 في الكنيسة لقب «تاوضروس الأول»، فإن ثمة تحديات تواجهه، من وجهة نظر الكثيرين، سواء كانت في الداخل الكنسي، أو في ما يتعلق بمشكلات يرغب المسيحيون الأرثوذكس والمسيحيون عامة في مصر، في من يطمئنهم فيها، وسط تساؤلات عن دور الكنيسة المصرية وبطريركها في مدى الاستمرار في أداء دور سياسي في الحياة العامة.
«الأخبار» استطلعت آراء بعض النشطاء والمثقفين المسيحيين لتقف على أهم الملفات التي تنتظر تعامل البابا الجديد معها.
منسق التيار العلماني في الكنيسة كمال زاخر، رأى أن أبرز التحديات أمام البابا الجديد هو كيفية تحويل الكنيسة من إدارة الفرد إلى إدارة المؤسسة، ففي رأيه أن العصر لم يعد عصر الشخصيات، بل المؤسسات، مشيراً إلى أنه «في المرحلة السابقة كان هناك ضغوط على الكنيسة، أجبرتها على أداء دور سياسي كبير في الحياة العامة»، مبيناً أن من الضروري تعديل لائحة 57 التي يجري بموجبها انتخاب البطريرك.
واتفق أمين المجلس الملي للكنيسة الأرثوذكسية بالإسكندرية، كميل صديق، وزميله محسن جورج، على أن من أهم ما يجب على البابا الجديد التعامل معه في الداخل الكنسي هو، «تنفيذ التعهد الذي أخذه القائم مقام الأنبا باخوميوس، على الثلاثة مرشحين الذين وصلوا الى القرعة الهيكلية، بتعديل لائحة 57 «غير المواكبة للعصر»، مع الدعوة إلى انتخاب المجالس الملية التي انقضت مدتها، مع تغيير اسمها إلى اسم آخر غير هذا الاسم، الذي وضع إبان الحكم العثماني لمصر، نظراً إلى ما يحمله من رمزية سلبية. هذا مع اتخاذ إجراءات للمّ الشمل للمختلفين مع الكنيسة من أبنائها ورهبانها».
أما في ما يتعلق بالخارج الكنسي، فطالب صديق بالتحرك نحو وجود حل للملفات العالقة منذ عقود، وعلى رأسها، الوصول إلى حلول جذرية لمشكلة بناء الكنائس، وتفعيل مبدأ المواطنة على نحو حقيقي، مبيناً أن وجود رئيس إسلامي للدولة لا يعني قطيعة الكنيسة معه، «فهي مؤسسة عريقة وتعاملت مع ظروف متغيرة على مدى تاريخها»، لافتاً إلى أن تصرفات الإسلاميين هي التي ستحدد شكل العلاقة، سواء في مدى إنهاء أو إبقاء «تهميش أو إهدار لقيم حقوق الإنسان أو التمييز». ورأى أن «غياب المواطنة من الدولة هو الذي يجبر المواطن المسيحي على طرق باب الكنيسة، حيث تكون الملاذ الأخير له، ولا تستطيع الكنيسة رد أبنائها وهم مظلومون».
أما الصحافي صفوت صلاح، فقد اختلف مع سابقيه في دور البابا والكنيسة، مشيراً إلى أن القول بإنهاء دور الكنيسة السياسي، أمر لن يحدث، «فالإنهاء الفوري هو الحل الجذري لهذه المعضلة»، لافتاً إلى أن إعلان البابا شنودة الثالث موقفاً مناهضاً للسادات بصفته الكنسية هو أول دخول للكنيسة في الشأن السياسي على نحو واضح ومعلن، مفضلاً أن تكون المجالس الملية هي المتولية الحديث بين الدولة والمسيحيين.
ويرى صلاح أن تعديل لائحة 57 وتعديل إجراءات اختيار المجالس الملية وتفعيل دورها بما يتناسب مع احتياجات العصر، هي أهم خطوة يجب أن تخطوها الكنيسة الفترة المقبلة، موضحاً أن فترة ما بعد الثورة كشفت أن تبني حركات مدنية وسياسية لمطالب المسيحيين جعلها تلقى قبولاً أكثر لدى الرأي العام، وبينت أن وتيرة الانجاز من خلالها أسرع، مشدداً على أهمية انسحاب الكنيسة من الدور السياسي مرة واحدة، والتركيز على الجانب الرعوي والروحي.
بدوره، الناشط الحقوقي، جوزيف ملاك، رفض أن تبتعد الكنيسة عن العمل السياسي، مشيراً إلى أن الكنيسة في عصر مبارك أجبرت على أن يكون لها وضع سياسي، حيث عدّها النظام وسيطاً بينه وبين المسيحيين في العديد من القضايا المهمة، وهو ما يرى ملاك أن النظام الحالي يحذو حذوه. ويرى ملاك أنه مع تنامي دور التيارات الإسلامية، فإن الكنيسة مجبرة على أن يكون لها دور لحماية أبسط احتياجات المسيحيين.
ويبدو أن الملف الذي يتضمن الوضع السياسي للمسيحيين، وكيفية تعامل المؤسسة الدينية، ودورها في المشهد السياسي، هو أهم الملفات التي تقع على عاتق البابا الجديد، وتندرج تحتها العديد من القضايا، منها بناء الكنائس وقضايا الدم العالقة (القديسين وماسبيرو) وأسلمه القاصرات.



الاندماج في المجتمع


هنَّأ المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع (الصورة)، أمس، الأنبا تواضروس الثاني بمناسبة اختياره بابا للأسكندرية وبطريركاً للكرازة المرقسية.
وقال بديع في رسالة تهنئة وجهها إلى البابا تواضروس الثاني، عبر الصفحة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين، «أتقدم لكم بأسمى التهانئ القلبية على انتخابكم الكريم، وأتمنى لكم التوفيق والسداد لما فيه صالح مصر الحبيبة وشعبها الكريم». وأضاف «وفقنا الله جميعاً لما يُحب ويرضى لخدمة وطننا وأهلنا .. مع خالص تقديري».
ويؤكد تاوضروس على أهمية اندماج المسيحيين في المجتمع. حيث قال في الآونة الأخيرة خلال مقابلة تلفزيونية، إن «الاندماج في المجتمع صفة مسيحية كتابية أصيلة.. الاندماج المعتدل والحلو، لكن لا بد أن يشارك الكل في ذلك».
«نحن كمصريين جميعاً لا بد أن نشارك، والمشاركة تبدأ بمكانين.. الفصل الدراسي ووسائل الإعلام.. لا بد أن يكون لدى جميع من يعمل في هذين المكانين الوعي». وقال تاوضروس«كمصريين نحن نعيش مع إخوتنا المسلمين.. هذه أولوية مهمة جداً في العيش المشترك.. والحياة المشتركة.. والمسؤولية هي أن نحافظ على ذلك».
(يو بي آي، رويترز)