دفنت أعمال العنف، التي شهدتها سوريا خلال اليومين الماضيين، «الهدنة» التي أرساها مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الأخضر الإبراهيمي مع طرفي النزاع. وعملت دمشق على «توثيق» خروقات المعارضة، و«ردّت» على نيران المعارضين المسلحين. وسجّّلت خروقات جديدة لليوم الثالث على التوالي للهدنة، التي دعا اليها الأخضر الإبراهيمي، الذي يعتزم رغم ذلك مواصلة مهمته، وتقديم «أفكار جديدة» إلى مجلس الأمن الشهر المقبل.
ويتوجّه الإبراهيمي هذا الأسبوع إلى الصين وروسيا مرة جديدة لإقناع قادتهما بالتراجع عن عرقلة تحرك في مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة السورية. وسيعود الإبراهيمي في تشرين الثاني إلى مجلس الأمن الدولي بمقترحات جديدة، لحمل الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة السورية إلى طاولة المفاوضات، كما أكد دبلوماسيون أمميون. وصرّح دبلوماسي آخر بأنّ العملية السياسية لن تبدأ قبل أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة قد تقاتلا إلى حدّ يقتنعان معه بأنه لم يعد هناك من خيار آخر، لكنّهما لم يصلا بعد إلى هذه النقطة، إلا أنّ الإبراهيمي لديه بعض الأفكار.
وميدانياً، شنّت القوات النظامية غارات جوية على مناطق بمحيط بلدات عربين وزملكا وحرستا، البعيدة بضعة كيلومترات من العاصمة. وتصاعدت سحب الدخان من الغوطة الشرقية، التي تحاول القوات منذ نحو أسبوع السيطرة على بلدات ومدن فيها، حسبما ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان. وفي ريف العاصمة، أفاد المرصد عن مقتل ما لا يقلّ عن أربعة عناصر من القوات النظامية اثر «هجوم نفذه مقاتلون من الكتائب الثائرة على حاجز للقوات النظامية في بلدة عين ترما». كذلك سيطر المقاتلون على عدّة حواجز للجيش السوري في دوما. ولم يكن الوضع أفضل في مناطق أخرى من البلاد، حيث دارت اشتباكات في أحياء من حلب وفي محيط معسكر وادي الضيف بريف معرة النعمان التابع لمحافظة ادلب بين القوات النظامية ومقاتلين ينتمون إلى تيارات اسلامية، حسبما أشار المرصد، كما أصيب عنصران من الجيش السوري بجروح، في انفجار عبوة ناسفة، بمنطقة مساكن برزة في دمشق قبل وصول وحدات الهندسة لتفكيكها. وقالت مصادر محلية إن «العبوة وضعت أمام مركز تابع لشركة سرياتيل للاتصالات، وقد أدى انفجارها إلى إصابة عنصرين من الجيش بجروح».
من جهته، أفاد التلفزيون السوري أنّه «في خرق جديد لوقف العمليات العسكرية، ارهابيون يطلقون قذيفتي هاون على مبنى القصر البلدي في حلب، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية». وفي شرق البلاد، تعرضت أحياء من مدينة دير الزور للقصف من قبل القوات النظامية، التي تشتبك مع مقاتلين من جبهة النصرة ومقاتلين معارضين. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عن مصدر في دير الزور أنّ «وحدات من قواتنا المسلحة تصدت لمجموعة ارهابية خرقت وقف اطلاق النار قرب دوار الحميدية بالمدينة، وتعاملت معها، ما أدى إلى مقتل الإرهابي أبو البراء الشيحلاوي، ويدعى عمار نوار الهجر، وهو قيادي في تنظيم القاعدة مع اثنين من الارهابيين». وأضاف المصدر «أنّ وحدة أخرى من قواتنا المسلحة ردت على مجموعة ارهابية اطلقت النار على حواجز الجيش وقوات حفظ النظام، وقضت على عدد من الارهابيين في حيّ الرشدية». في غضون ذلك، أُطلق سراح أكثر من 120 مواطناً كردياً احتجزوا اثر معارك جرت بين ميليشيات كردية ومعارضين مسلحين في حلب، أدت يوم الجمعة إلى مقتل ثلاثين شخصاً، وإلى أسر 200 آخرين. وذكر المرصد أنّه أُفرج عن أكثر من 120 مواطنا كردياً كانوا قد احتُجزوا قرب بلدة حيان «من قبل مقاتلين معارضين عرب»، بعد الاشتباكات التي دارت في أطراف حيّ الأشرفية.
وقامت دمشق، بتوثيق خروقات «التنظيمات» المعارضة المسلحة برسالة وجهتها إلى مجلس الأمن، مؤكدة التزامها بايقاف العمليات العسكرية، حسبما أفاد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية جهاد مقدسي، الذي أكد أنّ «الحكومة السورية ملتزمة تماماً بايقاف العمليات العسكرية، وفقاً لبيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة». وأضاف «لكن الخروقات التي حصلت كانت ناتجة عن اعتداءات نفّذت معظمها التنظيمات التي رفضت أصلاً الهدنة، بموجب بيانات رسمية صادرة عنها»، موضحاً أنّ بلاده وثّقت «الخروقات برسائل إلى مجلس الأمن الدولي».
في السياق، نفت «جبهة النصرة الاسلامية»، مسؤوليتها عن التفجير الذي وقع في دمشق في أول أيام العيد، وأدّى إلى مقتل 5 أشخاص. وذكرت الجبهة، في بيان لها، إنّ «هذا النظام الطاغوتي لا يكتفي بالاصطياد في الماء العكر، بل إنه لخسته وقذارته يعكر الماء ليصطاد فيه، أغلب الناس تعتقد أن النظام هو من قام بالتفجير لأنّه أشبه به».
وفي هذا الإطار، قال نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، أول من أمس، إنّ «الغربيين» في مجلس الأمن الدولي حالوا دون إدانة المجلس لهجوم بالقنابل في دمشق يوم الجمعة. وأضاف «نهج الاستمرار في العنف الذي تتبناه المعارضة السورية واضح للعيان».
وكانت القيادة العامة للجيش السوري قد اتهمت، يوم السبت، «المجموعات المسلحة» بخرق وقف النار. ونقلت وكالة الأنباء السورية «سانا» عن بيان لقيادة الجيش أنّ «المجموعات المسلحة قامت في ريف دمشق بمهاجمة حواجز الجيش وحفظ النظام في مناطق مختلفة من دوما، وحرستا، وحوش عرب، وأطلقت النار على حواجز الجيش بقطنا في رأس النبع، وحواجز السريان، والمؤسسة الاستهلاكية، كما زرعت عبوات ناسفة على محور كفر قوق وشرق دوار مساكن التوافيق».
في سياق آخر، لم تنشر الولايات المتحدة أيّ جنود أو وحدات عسكرية في تركيا على خلفية الأزمة السورية، على ما أكد الجيش التركي، يوم السبت. ونفت رئاسة أركان القوات المسلحة التركية، في بيان لها، معلومات صحافية مفادها أنّ الولايات المتحدة أرسلت جنوداً إلى تركيا في أعقاب تفاقم التوتّر على الحدود التركية السورية.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي، سانا)



غياب التدخل ينشر أفكار التطرف

أفادت شبكة «سكاي نيوز» أن غياب التدخل الأجنبي في سوريا يسهم في انتشار أفكار التطرف بين صفوف المقاتلين المتمردين. وقالت إنها «شاهدت أدلة على أن الانتفاضة السورية تتحوّل إلى التطرف وعلى نحو متزايد، وتُخاض من قبل أصوليين ومتطرفين إسلاميين، بعدما قطع المتمردون السوريون الأمل في إمكان التدخل العسكري من قبل الغرب، وشعورهم بأن المجتمع الدولي تخلى عنهم، وصاروا يصنعون بأنفسهم قنابلهم وأسلحتهم الخاصة، وأصبحوا أكثر اكتفاءً ذاتياً». وأشارت إلى أن بعض الأسلحة يجري تهريبها عبر الحدود من قبل دول مسلمة متعاطفة. وأضافت الشبكة التلفزيونية البريطانية إن مراسلها شاهد راجمات صواريخ لا تزال ذخيرتها مغلّفة بالبلاستيك، وجرى تهريبها عبر الحدود التركية، ومدفعاً مضاداً للطائرات أبلغه المتمردون أنّه جاء من العراق.
ونسبت إلى أحد قادة الجماعات المعارضة المسلحة قوله «كل ما نحصل عليه الكلمات لا الأفعال.. لكن معظم المقاتلين سوريون، ويمثلون 90% باستثناء بضع مئات في كل أنحاء سوريا، هم من خارج البلاد، ومعظمهم من بلدان متعاطفة»، كما نقلت الشبكة عن مسعف ليبي، ومتمرد سابق في بلاده، قوله إنه «جاء إلى سوريا للمساعدة على علاج أشقائه المسلمين، لأنه يعرف حجم المعاناة، لكنه لن يمتنع عن حمل السلاح إذا اضطر» إلى ذلك.