التزم المسؤولون الاسرائيليون عدم التعليق على الأنباء الواردة من السودان، واتهام الحكومة السودانية اسرائيل بالمسؤولية عن الاعتداء على مجمع «اليرموك» للصناعات الحربية، بالقرب من الخرطوم. مع ذلك، تبنت تل أبيب الهجوم، وإن بصورة غير رسمية، في حين احتل الخبر العناوين الرئيسية للصحف العبرية، ومقدمة النشرات الإخبارية الرئيسية. الحدث السوداني كان الأبرز، والهدف كما يبدو انتخابي بامتياز، مع كثير من الرسائل في أكثر من اتجاه، وفي المقدمة، الملف النووي الايراني.
فقد أشار موقع صحيفة «يديعوت احرونوت»، الى ان مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وأيضاً مصادر رفيعة في الجيش الاسرائيلي، تواصل رفض التعليق على ما ورد من «اتهامات سودانية»، مع ذلك، أكد الموقع ان «السودانيين يعرفون بالضبط ما يقولونه ازاء التورط الاسرائيلي في الهجوم»، مشيراً الى ان استهداف المنشأة السودانية يمكن عدّه رسالة اسرائيلية لإيران، اذ «يوجد كثير من أوجه الشبه بين الموقع المستهدف، وبين الأهداف الاستراتيجية التي قد تستهدفها عملية عسكرية إسرائيلية في إيران». وكتب محلل الشؤون الأمنية في الموقع، رون بن يشاي، أنه «في حال كان ادعاء الوزير السوداني صحيحاً، وأن أربع مقاتلات إسرائيلية هي التي قامت بقصف مجمع الخرطوم، فنحن أمام استعراض إسرائيلي مثير للانطباع، وتحديداً ما يتعلق بالذراع الاستراتيجية الطويلة للجيش الإسرائيلي»، مضيفاً أن «المسافة التي تفصل اسرائيل عن المصنع السوداني، تصل الى 1900 كيلومتر، أي نفس المسافة تقريباً، التي تفصل اسرائيل عن مراكز تخصيب اليورانيوم في إيران، واذا كانت اسرائيل فعلا قامت بالهجوم، فإنه بمثابة رسالة حول جدية الاستعدادات الاسرائيلية، لهجوم محتمل على ايران».
وأكد بن يشاي أن «الايرانيين، الذين استخفّوا طويلاً بالتهديدات الاسرائيلية، قد يعيدون البحث في تقديراتهم، بعد سماعهم عن الهجوم على السودان، وتحديداً حول مدى الجدية التي يجب إيلاؤها لرئيس حكومة اسرائيل ووزير دفاعه (ايهود باراك)، عندما يتحدثان عن إبقاء الخيار العسكري مطروحاً على الطاولة»، مضيفاً أنه «لا يوجد أدنى شك بأن الهجوم في السودان، يصلح مادة لإعادة التفكير، ليس فقط للأطراف والجهات الناشطة في الخرطوم، وإنما أيضاً في غزة، وبالأساس في طهران».
وعلى غرار بن يشاي، أكد معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «اسرائيل اليوم»، يؤاف ليمور، وإن بصورة غير مباشرة، مسؤولية اسرائيل عن الهجوم، مشيراً الى ان «تجارب الماضي أثبتت أن معظم ما تنشره وسائل الإعلام الأجنبية بشأن ضلوع إسرائيل في شن هجمات على منشآت عسكرية، أو على قوافل لتهريب الأسلحة، كانت كلها صحيحة». وأضاف ان «السودان يشكل مخزناً للسلاح، ونقطة عبور للسلاح الإيراني باتجاه الشرق الأوسط، ولا سيما الى لبنان وقطاع غزة، وربما أيضاً باتجاه سوريا».
وبحسب ليمور، فإن الغاية التي أرادت اسرائيل ان تحققها من خلال الضربة، هي «تحقيق هدفين في نفس الوقت: إحباط الإرهاب من السودان، وتعزيز قدرة الردع الاسرائيلية»، الا انه عاد واستدرك، بأن «الهجوم على مجمع الصناعات الحربية في الخرطوم لن يؤدي الى وقف عمليات تهريب السلاح، بل ربما يسبب زيادتها».
بدوره، معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أشار الى ان «من المحتمل ان تكون المعركة التي تديرها اسرائيل في الأيام الأخيرة ضد حركة حماس في قطاع غزة، قد اتسعت الى جبهة اوسع، ووصلت الى السودان»، منوهاً بأن «المسافة التي قطعتها الطائرات الاسرائيلية وصولاً الى الهدف، في حال كانت اسرائيل فعلاً تقف وراء الهجوم، تصل الى الفي كيلومتر».
واضاف الصحافي الاسرائيلي أن «التعاون العسكري بين الخرطوم وطهران لا ينحصر فقط في إقامة مصنع عسكري، كالذي جرى استهدافه، اذ تحدثت تقارير إعلامية أوروبية، عن أن ايران أرسلت أيضاً الحرس الثوري لتدريب الجيش السوداني».
واضاف هرئيل، أن «جيش القدس في الحرس الثوري الإيراني نجح في تهريب عشرات الصواريخ المضادة للطائرات، بما فيها صواريخ SA-24، من مخازن تابعة للجيش الليبي، وأوصلها الى السودان، ليعبر منها باتجاه حركة حماس في قطاع غزة»، مشيراً الى ان التفجيرات التي شهدتها الأراضي السودانية في الماضي، اضافة الى الهجوم الأخير، قد «تستوجب من الخرطوم اعادة النظر في التعاون العسكري القائم بينها وبين
طهران».