طرابلس | عيد أضحى جديد يمر على ليبيا اليوم بعد خلاصها من نظام العقيد معمر القذافي، يقضيه الليبيون في التندر من الأوضاع التي حلت في ديارهم واحتمال فشل حلمهم في بناء الدولة الديموقراطية والعيش الكريم والتعددية، فيما تزداد خشية الليبيين بازدياد بؤر التوتر والصراع في أماكن متفرقة من البلاد. عيد هو ليس الأول بل الثاني يمر على المواطن المُثقل بأعباء الحياة، ليجد نفسه مضطراً للتأقلم رغم ارتفاع الأسعار وغياب أي تحسن ملحوظ على كافة الأصعدة.
أسعار الخرفان التي تتراوح ما بين 450 دولاراً و600 دولار تقريباً يقابلها إصرار من المواطن على أداء فريضة النحر هذا العام رغم أن راتبه، الذي الذي لا يتجاوز في أفضل الأحوال 600 دولار تقريباً، يقف حائلاً دون شراء الخروف لهذا العام. هذا اذا ما تم احتساب مصاريف الحياة اليومية وديون الشهور السابقة وأعباء العلاقات الاجتماعية.
وفي الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار بمقدار الضعف عن عام 2010، حيث كان الخروف في أسوأ الأحوال لا يتجاوز سعره حاجز الـ300 دولار، لا تزال الأضحية حلماً يستطيع الليبي تحقيقه.
يتم له ذلك عن طريق شراء الخرفان المستوردة التي يمكن شراؤها بنحو250 دولاراً تقريباً، فيما يجنح الجزء الآخر من المواطنين للاستسلام تحت عنوان «لا يكلف الله نفساً الا وسعها». لكن الخرفان المستوردة لم تكن العصا السحرية التي قضت على مشاكل أضحى هذا العام، نظراً لعدم توافرها بالكميات المطلوبة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع أسعارها هي الأخرى، حيث كانت لا تتجاوز الـ100 دولار. لكن عدم تبني الدولة لخطة استيراد أضاح من ضفاف جنوب المتوسط حيث المراعي الجيدة، حال دون انخفاض أسعار المستورد، ليستمر عناء المواطن. وفي الوقت الذي يلقي فيه الليبيون اللوم على الحكومة والتجار، برر غالبية التجار موقفهم بلوم الحكومة، لأنها لم تدعم أسعار الأعلاف ولم تستورد كميات وفيرة حتى، لتصبح الحكومة في المتهمة الأولى والأخيرة في زيادة أعباء المواطن وتجاهل حاجاته.
البرلمان الليببي بدوره لم يقف مكتوف اليدين، بل سارع إلى تبني قرار بصرف منح للأسر الليبية بمناسبة موسم المدارس والأضحى، لكن حساب البيدر لم يأت وفق حساب الحقل، فالمنحة التي قرر البرلمان صرفها والمقدرة بـ770 دولاراً، تأجلت حتى إشعار آخر، ولن يتم صرفها من الميزانية العامة لهذا العام.
اللافت للنظر الذي نال استهجان الشارع، هو أن بعض أعضاء المؤتمر الوطني العام (نواب البرلمان) استنكروا فكرة صرف 770 دولاراً «مؤجلة»، بحجة أنها إهدار للمال العام وزيادة في أعباء البنك المركزي الليبي. ونسوا أو تناسوا أن تكاليف إقامتهم في فنادق العاصمة «يومياً» تقدر بنحو 10 آلاف دولار في أفضل الأحوال.
يأتي هذا في الوقت الذي تؤكد فيه المصادر أن نواباً من المؤتمر الوطني يصرون على الحصول على تذاكر سفرهم الاسبوعية الى مدنهم حتى لو لم يتمكنوا من السفر. النواب الذين يصل دخلهم الشهري إلى10 آلاف دولار حسبما تشير التقارير، سارع ثلثهم إلى قضاء فريضة الحج هذا العام، حيث من المؤكد أن أكثر من 55 نائباً يمموا وجوههم شطر البيت الحرام، ضاربين عرض الحائط بما خلفوه وراءهم من مسؤوليات ورعاية. الأمر الذي لاقى استهجان الشارع.
هذا الاستهجان دفع المكتب الإعلامي للبرلمان إلى الايضاح بأن من سافر لقضاء فريضة الحج لهذا العام لم يكلف خزينة الدولة دولاراً واحداً، وانما الأمر جاء عن طريق ما تقدمه السعودية من تذاكر للبرلمانات العربية، وأن دورهم فقط تلخص في تقسيم الستين تذكرة التي منحتهم اياها المملكة.
بدوره، سارع صندوق التضامن الاجتماعي إلى صرف منحة قدرها 150 دولاراً للمطلّقات وذوي الاحتياجات الخاصة في محاولةً منه لاحتواء الأزمة، إلا أن الفترة الوجيزة التي تم فيها الصرف خلال يومي الأربعاء والخميس الماضيين، حالت دون استفادة غالبية الأسر من المبلغ وتسببت في ازدحام شديد واكتظاظ استمر حتى وقت متأخر أمام الصراف الآلي. واصطف المواطنون امام المصارف في مشهد اعتاده الليبيون طوال السنوات الماضية من دون أن تغير ثورة 17 فبراير منه. فالثورة التي رفعت شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية عالياً، يقف ساستها اليوم على المنابر من دون فائدة.
وليبيا التي تصدّر 1.6 مليون برميل نفط يومياً، لا تزال اسرها تعاني الفقر والفاقة، وفقدان الحد الأدنى من مستلزمات العيد.