القاهرة | «توجهاتهم أشد عداءً للعمال والنقابات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من توجهات الحزب الوطني (المنحل)»، هذا ما أفصح عنه رئيس الاتحاد المصري للنقابات المستقلة كمال أبو عيطة، أثناء إشارته إلى أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة. كان الرجل يرثي، في حديثه مع «الأخبار»، أداء وزير القوى العاملة عضو الجماعة خالد الأزهري، قائلاً إن ثمة دلائل توافرت لديه تشير إلى أن الرجل يُحرّض أصحاب العمل والإدارة على العمال المحتجين. وأضاف أبو عيطة أن «ما حدث من قبل الأزهري حيال احتجاجات العاملين في جماعة القاهرة هو خير مثال... فالرجل اتصل بعميد كلية الطب في الجامعة وطلب منه عدم الاعتداد بالنقابة المستقلة هناك واعتبرها غير شرعية».
النقابي المُخضرم، الذي كان أول من أسس نقابة مستقلة في مصر عقب الإضراب الظافر لجباة الضرائب العقارية في كانون الثاني من عام 2007، وصل إلى هذا الاستنتاج حيال توجهات الجماعة الحاكمة، عبر تجربته مع قياداتها التي تراجعت عن تأييدها لمشروع قانون الحريات النقابية. قانون كان قد أعده وزير القوى العاملة الأسبق أحمد حسن البرعي، بعد حوار مجتمعي واسع شاركت فيه النقابات والقوى السياسية.
لقد رفض ممثلو حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للإخوان المسلمين) لدى لجنة القوى العاملة في مجلس الشعب المُنحل، إمرار القانون بينما كان أبو عيطة، الذي كان عضواً وقتها في المجلس بطبيعة الحال، مؤيداً للقانون بطبيعة الحال.
لكن أعضاء «الحرية والعدالة» في اللجنة سعوا في المقابل إلى إمرار تعديلات على قانون النقابات الحالي، الذي يعود إلى عام 1976، قبل أن يستبقهم قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة في حزيران الماضي بحل مجلس الشعب بناءً على حكم من القضاء بعدم دستورية قانون انتخابات أعضاء البرلمان.
وفي رأي أبو عيطة، الذي كان مناهضاً لإمرار التعديلات في مجلس الشعب كما هو الآن بعد حله، «أن نفس التعديلات (المُجهضة) تلك هي ما يسعى خالد الأزهري الآن لإمرارها».
ويسعى الوزير الأزهري الآن إلى إمرار التعديلات تلك عبر مرسوم بقانون يصدر عن رئيس الجمهورية محمد مرسي، الذي يحتفظ لنفسه وفقاً لآخر إعلان دستوري أصدره في السلطة التشريعية في غياب مجلس الشعب وحتى تنظيم الانتخابات البرلمانية المرتقبة.
وهي تعديلات تتضمن النص على حظر التعدد النقابي في المنشأة الواحدة، «كما تخضع الآن للصياغة النهائية من قبل اللجنة التشريعية في رئاسة الجمهورية وفقاً لمعلومات أكيدة من مصادر أثق بها»، حسبما قال لـ«الأخبار» عضو مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال مصر، ناجي رشاد، بعد صدور حكم قضائي بحل مجلس الإدارة القديم وتعيين مجلس آخر مؤقت حتى تنظيم انتخابات نقابية جديدة.
رشاد، الذي كان وجهاً بارزاً في الحركة العمالية في مصر قبل الثورة، بعدما انتزع حكماً قضائياً من المحكمة الإدارية، يلزم الحكومة وضع حد أدنى جديد للأجور وقريب من أوساط اليسار. وهو يعد الآن من الوجوه القليلة المقربة من وزير القوى العاملة في مجلس إدارة الاتحاد.
فالمجلس كان قد أقام دعوى قضائية ضد قرار الأزهري بتأجيل انتخابات الاتحاد العام للعمال بواقع ستة أشهر، وهو ما قد يُعدّ خرقاً للقانون الذي يقصر دور وزارة القوى العاملة حيال النقابات على تنظيم الانتخابات فقط تحت إشراف قضائي.
ويسعى رشاد إلى رأب الصدع بين الاتحاد والوزير، قائلاً إنه بصدد تنظيم اجتماع يضم الطرفين اليوم الأربعاء، بعدما وصل الشقاق بين المجلس والحكومة – للمرة الأولى ربما منذ تأسيسه – إلى حدود غير مسبوقة وصلت إلى إعلان فصل الوزير من عضوية المجلس – الذي استمرت عضويته فيه بالرغم من ضمه إلى صفوف حكومة هشام قنديل.
ويرى رشاد من موقعه النقابي، أن معارضي التعديلات ينطلقون من مصلحة شخصية مفادها أنهم أول المتضررين منها بما تتضمنه من إعفاء كل من أُحيل على التقاعد بسبب العجز أو الإحالة على المعاش بسبب السن القانونية، قبل إصدار التعديلات أو بعده، وهو ما قد يُستبعد على أساسه نسبة لا يستهان بها من أعضاء الاتحاد.
بينما يناهض عضو مجلس إدارة الاتحاد، عبد المنعم الجمل، الذي كان عضواً قبل الثورة واحتفظ بعضويته حتى بعد حل مجلس الاتحاد بعد الثورة، التعديلات من منطلق مبدئي «التزاماً بالمواثيق الدولية التي وقّعتها مصر التي تحظر تدخل الجهات الإدارية في شؤون النقابات الداخلية».
لكن الاتحاد العام للعمال وخاصة الأعضاء المخضرمين في مجلس إدارته من قبيل الجمل، قد يكونون آخر من يحق لهم الحديث باسم المواثيق الدولية في هذا الشأن؛ لأنهم كانوا أشد الأطراف عداءً لتأسيس النقابات المستقلة وللتعددية النقابية، التي استندت إلى المواثيق نفسها في مواجهة التشريعات المحلية.
«لكن الأمر ليس كما يُصوَّر، فأنا لست ضد التعددية النقابية من حيث المبدأ، لكنني أقف في مواجهة أن يخرج الأمر عن عقاله، وصولاً إلى خطر تفتيت العمل النقابي»، حسبما يقول الجمل لـ«الأخبار».
هذا العداء التاريخي بين الاتحاد العام للعمال والاتحاد المصري للنقابات، المستقل على كل حال، والذي دعمه الطابع السياسي للمعركة بين الأول الذي انحاز طوال تاريخه للدولة بشدة ــ وصولاً إلى اتهام رئيسه السابق حسين مجاور بالتورط في التخطيط لقتل الثوار ــ والثاني الذي دشن في ميدان التحرير مهد ثورة مصر خلال أيامها الأولى لتوحيد عشرات النقابات المستقلة، هو على كل حال عداء يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين قد أنهته بطريقة غير مباشرة من خلال تنسيق الاتحادين معاً في مواجهة الجماعة الحاكمة.