القاهرة | منحت محكمة القضاء الإداري المصرية أمس مهلة زمنية لا تقل عن 45 يوماً للجمعية التأسيسية، هدفها إمرار مسودة الدستور وطرحها لاستفتاء الشعب عليها قبل إعمال رقابة القضاء على مدى قانونية تشكيل لجنة وضع الدستور من عدمه. لذلك، قررت المحكمة أمس تعليق الفصل في الدعاوى الـ 48 المطالبة بحل الجمعية التأسيسية الثانية وإحالة أوراقها على المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية «قانون معايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية»، الذي سبق أن أقره مجلس الشعب المحلول في 12 حزيران الماضي. قانون شُكِّلت الجمعية التأسيسية الحالية بموجبه، إلا أن المجلس العسكري رفض التصديق عليه في حينه، حتى تولي الرئيس محمد مرسي رئاسة البلاد. الرئيس مرسي صدّق على القانون بتاريخ 14 تموز، ونُشر في الجريدة الرسمية إيذاناً ببدء العمل به في تاريخ 15 تموز.
قرار المحكمة جاء مفاجئاً لكافة المتابعين، سواء من رجال القضاء والقانون أنفسهم وحتى للمؤيدين والمعارضين لعمل الجمعية التأسيسية، وهو ما جعل نائب رئيس الجمهورية يقول خلال اجتماعه بممثلي عدد من الأحزاب والقوى والحركات الثورية قبل صدور حكم القضاء الإداري بساعات: «لن يُعاد تشكيل الجمعية التأسيسية في حال حلها بحكم قضائي، إلا بعد إجراء تشاور وحوار مع كافة القوى الوطنية»، بل دعا تلك القوى إلى التوافق على معايير لاختيار الجمعية التأسيسية. فالمحكمة استجابت للدفاع «السند» الذي طالما كرّره محامو جماعة الإخوان المسلمين بعدم اختصاص المحكمة بالفصل في مدى شرعية تشكيل «التأسيسية»، على اعتبار أن هذا القرار هو قرار برلماني لا يدخل في نطاق القرارات الإدارية، رغم أن المحكمة نفسها، بتشكيل مغاير، سبق أن رفضت هذا الدفع وحلت الجمعية التأسيسية الأولى.
مصدر قضائي رفيع المستوى برر الأمر لـ«الأخبار» بأن محكمة القضاء الإداري، التي نظرت في الدعاوى على مدار الشهور الخمسة الماضية، قررت أن ترمي الكرة في ملعب المحكمة الدستورية العليا، حتى لا تهدر مكتسباتها من «التأسيسية» الحالية، وخاصة مع وجود تسريبات من المقربين من الرئيس بأنه في حال صدور حكم بحل التأسيسية سيُصدر مرسي قراراً بإعادة تشكيلها بالأعضاء أنفسهم.
وأوضح المصدر أن أبسط المبادئ القانونية المُتعارف عليها أنه لا يجوز تطبيق أي قانون بأثر رجعي، وتوقيت سريان أي قانون يكون من اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية، ومن ثم كان على محكمة القضاء الإداري أن تصدر حكماً مباشراً بحل الجمعية التأسيسية الأولى بمعزل عن القانون الذي صدّق عليه مرسي، وخصوصاً أن الجمعية شكلت ومارست عملها قبل بدء سريان هذا القانون، إلا أنها تلكأت بالقانون رغم إقرارها بأنه غير دستوري لتجعل منه ذريعة لإحالة أمر التأسيسية برمته على المحكمة الدستورية العليا.
وفي هذه الحال، ستجد المحكمة في القانون طريقاً ممهداً لاستعادة علاقتها الجيدة برئيس الجمهورية كما كان وضعها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، بعدم استعجال الفصل في مدى دستورية هذا القانون من عدمه، بما يضمن إفلات التأسيسية بالدستور.
المصدر القضائي يرى أن إجراءات «الدستورية» للفصل في أي قانون معروض عليها، بطيئة للغاية، وبمجرد وصول أي قضية إليها لا يقوم رئيس المحكمة بإحالتها على هيئة المفوضين «الجهة التي تحضر القضية تمهيداً لعرضها على المحكمة» قبل مرور 45 يوماً، في حين أن المدة التي تستغرقها الهيئة لتحضير الدعوى غير محددة بزمن.
فقد تستغرق عدة أسابيع أو شهور وربما سنين، كما حدث في قضايا كثيرة معروضة أمام المحكمة. ورغم أنه في حال انتهاء «الدستورية العليا» إلى عدم دستورية قانون معايير انتخاب «التأسيسية» سيكون هناك لزام على محكمة القضاء الإداري أن تصدر حكماً بحل «التأسيسية»، إلا أن الإعلان الدستوري المُصحّح الذي بادر مرسي بعد وصوله إلى الرئاسة الى إقراره ليمسك بزمام السلطة التشريعية إلى جانب التنفيذية يمكّن مرسي من إصدار قرار بإعادة تشكيل «التأسيسية» بالأعضاء أنفسهم. وإعادة هؤلاء الأعضاء الذين أكد القضاء بطلان عضويتهم، يصب في خانة تحصين عمل الجمعية نهائياً وإمرارها بدستور الإخوان.
الأمر ظهر جلياً في تعليقات أعضاء الجمعية تجاه قرار محكمة الإداري. فحسب قول وكيل الجمعية عاطف البنا، لـ«الأخبار»، فإن «قرار الإداري صحيح، لأن تشكيل الجمعية لم يكن قراراً إدارياً، بل كان انتخاباً مُباشراً لأعضاء الاجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشورى، وهو عمل برلماني».
البنا لفت أيضاً إلى أن «الاستفتاء على مواد الدستور سيتم في تشرين الثاني المقبل، وخصوصاً أن لجنة الصياغه من المقرر أن تنهي عملها عقب عيد الأضحى، ويتم التصويت على المواد بالجلسات العامة للجمعية».
في المقابل، شنّ عدد من أعضاء التأسيسية هجوماً استباقياً على المحكمة الدستورية العليا، فقد قال القيادي الإخواني عضو التأسيسية صبحي صالح لـ«الأخبار»، إنه «لا يجب على المحكمة الدستورية العليا النظر في الدعاوى المطالبة بحل الجمعية التأسيسية حتى لا تكون خصماً وحكماً في الوقت نفسه». وأضاف أن «الدستورية هاجمت الجمعية في مؤتمر صحافي منذ أيام، وهو ما يجعلها في مأزق لأنها تتصدى لقضية ولديها خصومة مع أحد أطرافها».
أما الجانب الحكومي الرسمي، فعبّر عنه رئيس الوزاء هشام قنديل، الذي حرص رغم وجوده في الجزائر، على شن هجوم على المنتقدين لعمل «التأسيسية» بمجرد صدور الحكم، قائلاً إن «بعض الجماعات المعترضة على مادة أو مادتين في الدستور تندفع إلى الهجوم على الدستور بأكمله ويقولون إن الدستور كله سيئ، بدلاً من التعليق على المواد التي يرفضونها».