رام الله | لا يخشى مراسل الشؤون الفلسطينية في القناة التلفزيونية الثانية للعدو الإسرائيلي، أوهاد حمُو، من التجوال في ساعات متأخرة من الليل في أزقة مخيمي جنين وقلنديا، بل لا يتوانى عن تغطية اشتباكات المسلحين الفلسطينيين مع قوات السلطة في مخيم جنين، وكذلك اشتباكات المقاومين الفلسطينيين مع جيش العدو في مخيم قلنديا دون خوف، كأن الحدث في شوارع تل أبيب! يتنقل حمُو وغيره من صحافيي العدو بحرية شبه مطلقة في مدن الضفة المحتلة، بلا معوّقات، كما يمنحون في أحيان كثيرة تسهيلات لا يحظى بها الصحافي الفلسطيني، كما أن أبواب مؤسسات السلطة مشرعة أمامهم.
في المقابل، يحضر مشهد الصحافي الفلسطيني، علاء بدارنة، وجندي من جيش العدو يهم بمنعه من تغطية إعدام شاب على حاجز زعترة، فيما يسمح في الوقت نفسه لمصورة صحيفة «يديعوت أحرنوت» بالتوغل والتغطية بحرية كاملة. خلف هذا المشهد تأتي المشاهد اليومية لاعتداءات العدو على الصحافيين الفلسطينيين بالضرب وبالاعتقال وبإطلاق النار مباشرة عليهم، فضلا عن أن الأراضي الفلسطينية التي احتلها العدو عام 1948 محرم عليهم دخولها أو تغطية أي أحداث فيها، إلا بتصريحات زيارة (من دون عمل) خاصة وقليلة.
ويتنقل الصحافيون الإسرائيليون بحرية بين مدن الـ48 والضفة رغم وجود الجدار والحواجز والمعابر الإسرائيلية، وغالباً ما تكون تنقلاتهم بواسطة مركباتهم الشخصية التي تحمل أرقاماً إسرائيلية، وفي مرات قليلة كانوا يتنقلون بواسطة مركبات أجرة تعود إلى سائقين من فلسطينيي 48. هم يتكلمون العربية بطلاقة مع المواطنين الفلسطينيين، وقليلاً من العبرية إذا كان الشخص الذي أمامهم على معرفة بها.
ونظراً إلى تفاوت رد فعل المواطنين الفلسطينيين اتجاههم، فهم في أحيان كثيرة لا يفصحون عن هويتهم بأنهم إسرائيليون، ورغم ذلك، فإن المواقف التي يجري فيها التعرض لهم أو طردهم من المكان أو منعهم تكاد تكون قليلة، فالمتحفظ على وجودهم يكتفي برفض اللقاء أو الانسحاب منه في حال اكتشافه هوية الصحافي. ولا يوجد في الثقافة الشعبية الفلسطينية ما يبرر الاعتداء على صحافيين بغض النظر عن جنسياتهم.
برغم ذلك، يستمر الجدل في المجتمع وبين أوساط الصحافيين الفلسطينيين حول عمل صحافيي العدو في الضفة، وتنقسم الآراء ما بين مؤيد لوجودهم كوسيلة للوصول إلى الرأي العام الإسرائيلي، ومن يرفض وجودهم مطلقا لأنهم جزء لا يتجزأ من منظومة أمعنت في العداء لهم والتنكيل بهم. وبين هذين الرأيين ثمة من يقسم التعاطي معهم وفق الجهات التي يعملون لديها، وهل تتبع للجيش وللمؤسسات الأمنية وقريبة للمستوطنين أم لليسار الإسرائيلي؟
يرى الصحافي الفلسطيني، سامر خويرة، أن هؤلاء «ليسوا صحافيين بل جنود في جيش العدو»، قائلاً: «كل كتيبة إسرائيلية يكون فيها ستة جنود الصحافي هو الجندي السابع وكاميرته»، مضيفا أن هذا الصحافي «سيحارب الرواية الفلسطينية في جميع الأحوال، ويعزز الرواية الإسرائيلية، ويظهر ما يريده العدو بوضوح».
ومع أن خويرة يقر بأن بعض التقارير الإسرائيلية تظهر كأنها مهنية (تعرض رواية الطرفين) في تغطية القصص الإنسانية، فإن غالبيتهم في ختام تقاريرهم يستخدمون المصطلحات الإسرائيلية التي تخدم أجندتهم، متسائلاً: «لماذا نسمح لجندي إضافي بالدخول إلينا بحجة أنه صحافي؟». كما يرفض الصحافي الفلسطيني أن تكون الأبواب مفتوحة أمام هؤلاء بل على أعلى المستويات وتكوين علاقات شخصية معهم، مشيرا إلى لقاء رئيس السلطة، محمود عباس، قبل أيام مع القناة العاشرة للعدو، برغم أنه «لم يجر أي لقاء مع أي وسيلة إعلام فلسطينية».
وفعليا، قابل عباس أكثر من تلفزيون ووسيلة صحافية إسرائيلية في الأعوام الماضية، وحتى خلال الأوقات التي يكون فيها التوتر الأمني عاليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكان دوما يقدم مواقف تثير الجدل خلال هذه اللقاءات، فيما يبرر مقربون منه أن هذه المواقف مقدمة إلى الجمهور الإسرائيلي بدرجة أولى، ولكن الطرف المقابل يرى أن وجود الترجمة والإعلام الحديث ينفي أن يكون هذا الحديث مرسوما بصورة خاصة للإسرائيليين.
حول المسؤولية التي تقع على عاتق السلطة، يقول خويرة: «هذه القضية تشبه قضية مقاطعة بضائع الاحتلال، فلا يوجد قرار رسمي من السلطة بالمقاطعة وإن كان هناك دعم ضمني، وكذلك الأمر في ما يتعلق بقضية الصحافيين الإسرائيليين، فلا يوجد قرار رسمي بمنعهم من العمل في مناطق السلطة، وجميع القرارات التي اتخذتها النقابة لا تسمن ولا تغني من جوع».
وكانت «نقابة الصحافيين الفلسطينيين» قد أعلنت مقاطعة الجهات والمؤسسات والمسؤولين الذين يتواصلون مع صحافة العدو أو يعقدون أيا من اللقاءات معها.
كذلك، يرى المتخصص في صحافة العدو والمدون محمد أبو علان، أن تغطية إعلام العدو الأحداث الجارية لا تعود بالفائدة على الفلسطينيين، لأنها «تغطية تأخذ الطابع الأمني البحت. حتى إن أجريت لقاءات وحوارات مع فلسطينيين، فإنهم يخضعونها لقراءة تحريرية موجهة تجعل الرأي الفلسطيني يفقد قيمته أمام السياسية التحريرية أو التحليلية للصحافي أو للقناة نفسها».
ومضى أبو علان قائلاً: «في الوقت الذي تجد فيه الإعلام الإسرائيلي يمنح هامشا للنقد، فإنه يتبنى رواية المتحدث باسم جيش أو شرطة الاحتلال حينما يتعلق الأمر بالقضايا الأمنية، ولا يثيرون أسئلة كثيرة حولها، بل تؤخذ وتنشر كما هي». ويشير إلى أن العدو يتيح التحرك للصحافي الإسرائيلي ويمنع الفلسطيني من الوصول إلى مكان الحدث بحجة أنه «منطقة عسكرية مغلقة». وينبه مراقبون إلى أنه بمتابعة وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن التقارير الآتية من مناطق الضفة حتى إن كانت تحمل نوعا من المهنية، فإنه باستضافة معلقين سياسيين وعسكريين إسرائيليين فقط يصير سهلا قلب محتوى المادة المعروضة.
في المقابل، وخلافا للرأيين السابقين، يقول الصحافي محمد ضراغمة إن الوسائل الإعلامية كلها (الأجنبية والعربية والمحلية) وأيضا الإعلام الإسرائيلي مهمة للموضوع الفلسطيني، مضيفا: «بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية معادية للفلسطينيين، ولكن هناك من هو متعاطف مع القضية الفلسطينية أمثال عميرة هاس وجدعون ليفي (صحافيان في «هآرتس»)، وتغطياتهم منحازة إلى الفلسطينيين، وهم موضوعيون في نقل ما يجري».
ويلفت ضراغمة إلى أنه في حال منع جميع الصحافيين الإسرائيليين من العمل في الأراضي الفلسطينية، فإنه «حتما سيخسر الفلسطينيون الأصدقاء منهم. يجب أن تكون وزارة الإعلام على اتصال مع الصحافيين الإسرائيليين وأن تتابع ما ينشرونه من أخبار عن الشأن الفلسطيني، وأن تصوبهم في حال نشرهم معلومات غير صحيحة». وبرغم أن هذا الرأي يخالف موقف «نقابة الصحافيين» الداعي إلى المقاطعة، فإن بعض المتابعين لا يخفون أن الإعلام الإسرائيلي ساهم في بعض الحالات القليلة في تفنيد مزاعم الجيش الإسرائيلي.
أيضا، يرى الناشط الإعلامي ليث الطميزي أنه لا مفر من صحافة العدو، فهناك «من الأخبار لا يمكن الحصول عليه من غيرهم، وخصوصا المواد المصورة والفيديوهات للعمليات أو للشهداء أو للاعتقالات». ويفصل الطميزي بين الصحافة اليمينية المتطرفة واليسارية في إسرائيل، قائلاً: «أحترم الصحافة الإسرائيلية ذات التوجه اليساري، مثل صحيفتي هآرتس وآكتف ستيلز ممن يكشفون عن جرائم الاحتلال. لا أحد يعترض على دخولهم إلى الضفة، وهم يتعرضون لانتهاكات جيش الاحتلال مثل الصحافيين الفلسطينيين».

ثمة مراسلون لوسائل
تابعة للجيش وللمستوطنين وأخرى لليسار الإسرائيلي


وكان جيش العدو قد اعتقل في وقت سابق الصحافي جدعون ليفي، والمصور أليكس ليباك، بذريعة دخولهما منطقة (أ) التي تخضع للسيطرة الفلسطينية أمنيا وإداريا من دون تصريح.
واستدرك الطميزي: «في المقابل يجب منع الصحافيين الإسرائيليين الذين يعملون مع صحف يمينية أو عسكرية كالقنوات الإسرائيلية التلفزيونية، أو مواقع مثل: واللا، ويديعوت أحرونوت، و0404، الذين يعملون على تشويه قضيتنا، كما تجب مقاطعة التحدث مع وسائلهم التي لا يكف مسؤولون فلسطينيون عن التحدث على شاشاتها».
وأمام الجدل والانقسام في المواقف بشأن تغطية إعلام العدو في الضفة بين الإعلاميين الفلسطينيين، يبدو أن الشارع الفلسطيني أيضاً منقسم برأيه في الاتجاهات نفسها، فالطالبة في «جامعة النجاح الوطنية» صفاء عاشور، ترى في وجود الصحافيين الإسرائيليين في المناطق الفلسطينية سيفا ذا حدين، يحكم به وفق «صدقيتهم في نقل الأحداث». وتقول: «إذا ما نقلوا الواقع مثلما هو دون تحيز، فإن ذلك في مصلحتنا ويساعد على نقل ما يحدث هنا إلى المدنيين في إسرائيل، والعالم يتابع الإعلام الإسرائيلي أكثر من العربي».
أما بالنسبة إلى الطالبة نائلة خليل، فالأمر مختلف تماماً، فهي لا تفرق بينهم وبين ضباط جهاز «الشاباك»، بل تراهم جزءا من المنظومة الاحتلالية، وهو ما دفعها ذات يوم، كما قالت، إلى طرد مراسل إذاعة العدو من مؤتمر صحافي في مقر وزارة الإعلام في رام الله.
خلافا لما سبق، توجد استثناءات في التعاطي مع صحافة العدو متعلقة بظروف خاصة، ولا سيما الحال مع الحركة الأسيرة، لأن الإعلام الإسرائيلي هو الوسيلة الأنجع، والوحيدة أحيانا، لإيصال أخبار الخارج إلى داخل السجون، ومنها أيضا يستطيع الأسرى في سجون الاحتلال إيصال صوتهم ومعاناتهم. وقد ثار الجدل نفسه حينما أجري مع الأسير المحرر الشيخ خضر عدنان مقابلة مع تلفزيون إسرائيلي. وكان عدنان قد أوضح لـ«الأخبار» أنه تعامل بحذر مع الصحافة الإسرائيلية، والتركيز قدر الإمكان على تفويت الفرصة عليهم في اقتطاع الكلام واجتزاء المقابلة لحرف المضمون، ولكنه أوضح أنها الوسيلة الوحيدة لإيصال رسالته إلى زملائه الأسرى.



غزة... «الحبل ليس على الغارب»

إذا كانت السلطة الفلسطينية تفرش البساط الأحمر لوسائل الإعلام الإسرائيلية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في الضفة، فإن الحال ليست كذلك في غزّة. هنا الحبل ليس على الغارب لأدوات الإعلام الإسرائيلي التي تستغل بعض الصحافيين الغزيين ممن لم يكونوا ليقطعوا «حبل الود» مع نظرائهم الإسرائيليين، لولا السياسة التي تبناها «المكتب الإعلامي الحكومي» (حركة حماس)، بعد سنتين من سيطرة «حماس» على غزة (خلال الحرب الأولى 2009)، بحظر تعامل أيّ صحافي أو مؤسسة غزّية مع الجسم الصحافي الإسرائيلي. كذلك فرضت «حماس» «حظر التجوال» على وسائل الإعلام الإسرائيلية في القطاع، كإذاعة «صوت إسرائيل» العربية، والقناتين الثانية والعاشرة وقناة «I24» الناطقة بالعربية أيضاً، وخصوصاً في الوقت الذي تصل فيه المواجهة إلى الذروة كالحروب، التي شهدت انعطافة مهمّة في طبيعة التنبّه إلى الحرب النفسية التي يشنها العدوّ ضد غزّة.
ويعمل الإعلام الإسرائيلي على صوغ علاقات جيدة مع بعض الصحافيين الغزيين من أجل العمل لمصلحته والاستفادة منهم. وبرغم كلّ هذه المحاذير الغزيّة، فإن «المكتب الإعلامي» لم ينجح في منع بعض الشخصيات من دون الصحافيين من الظهور على وسائل إعلام إسرائيلية حاولت استغلال أصواتهم المناوئة للمقاومة خلال الحرب الأخيرة، كما أخفق في وضع حدّ للوشايات الصحافية من بعض الصحافيين الغربيين الذين لم يتوانوا عن ممارسة دور «المخبرين» في تحديد أماكن إطلاق الصواريخ خلال الحرب الأخيرة.
(الأخبار)




صحافيون من رحم الجيش و«الشاباك»

ثمة وجوه إعلامية إسرائيلية تستضفيها قنوات عربية كـ«الجزيرة» و«الغد المصري»، لكنّ كثيرين لا يعلمون أن هؤلاء عملوا إما في الجيش الإسرائيلي أو المخابرات أو الاستخبارات العسكرية، وفق إحدى الدراسات الفلسطينية التي صدرت أخيراً، ومن أبرزهم:
يوني بن مناحيم: محلل الشؤون العربية في التلفزيون الإسرائيلي، هو ضابط احتياط في جيش الاحتلال، وشارك في عملية الليطاني جنوب لبنان عام 1967، ويمتلك شبكة علاقات مهمة مع عدد من الشخصيات الفلسطينية.
روني شكيد: محرر الشؤون العربية في صحيفة يديعوت أحرونوت، عمل محققاً في «الشاباك» وأسهم في تعذيب الفلسطينيين حتى عام 1983 في معتقل المسكوبية في القدس المحتلة.
شاؤول منشيه: محرر ومذيع في الإذاعة الإسرائيلية، وهو يهودي من أصل عراقي وضابط في المخابرات، وكان يحرض المحققين على اقتلاع عيون الأسرى الفلسطينيين عندما يزور المعتقلات.