دمشق | لطالما توقع كثر أنّ ساحة باب توما الجامعة لكلّ السوريين ستنفجر يوماً ما. المخفر في منتصفها هدف سهل لأيّ أعمال عنف ضد الدولة. إلا أنّ التوقيت المفاجئ يولّد ألف سؤال. الوصول إلى الساحة بدا محفوفاً بالمخاطر في ظلّ احتمال أن يعقب الانفجار الأول انفجار ثانٍ، حسب ما جرت العادة. حيّ القصاع المتاخم شهد إطلاق نار باتجاه مكان الانفجار المزدحم بعناصر قوى الأمن والجيش. وبدأت حملات تمشيط أحد المباني وسط صرخات الفتيات الخائفات في الشارع، وأصوات جنود الجيش أثناء حصار الحيّ. أحد الجنود صوّب سلاحه صائحاً: «المدنيون... ابتعدوا من هُنا». ولتبدأ مغامرة المدنيين بالتمترس في محالّ السوق التجاري أو بمحاذاة الجدران، فيما إطلاق النار على أشدّه. قُضي الأمر بخروج أحد عناصر الجيش السوري مطمئناً الوجوه العابسة بالقول «لا تخافوا. ما في شي». أفواج المشاة المتجهة إلى الساحة تحركت برعاية أفراد الجيش، بينما الأرجل مرتبكة الخطوات وكذلك العيون والنظرات. بمجرد الوصول إلى الجامع الذي يفصل القصاع عن باب توما يظهر القوس في منتصف الساحة واقفاً دون أيّ آثار على هول ما جرى. أما الساحة فقد اختلطت أرضها بالأشلاء المتناثرة، والدماء، وأحذية الضحايا وبقايا ملابسهم. رائحة الموت والأعضاء البشرية تزكم الأنوف. على سلّم حجري صغير يهرع المدنيون هاربين من أصوات إطلاق النار، غير آبهين بما تدوسه أقدامهم من بقايا بشرية. السلّم ذاته الذي يجلس عليه العشاق حتى أوقات متأخرة في ساحة لطالما عُرفت بـ«ساحة العشاق». مصادر خاصة قالت لـ«الأخبار» إن كمية المتفجرات لا تتجاوز 10 كلغ وُضعت في سيارة أجرة من نوع «سابا» كانت متوقفة في مرأب السيارات على يمين الساحة، ما أدى إلى سقوط 13 قتيلاً و29 جريحاً، وفق حصيلة أولية، ولم يبقَ من السيارة المفخخة سوى أجزاء من المحرّك. وتوقع أحد اختصاصيي المتفجرات أن التفجير حصل بواسطة جهاز تحكم عن بعد، ما يفسّر دقّة حصوله في توقيت خروج المصلين من قدّاس الأحد، مستبعداً أن ينتج الانفجار من عبوة مزروعة أسفل السيارة لعدم وجود حفرة في أرض الساحة. أحد العناصر الموجودين ذكر أنه اتجه للخروج من الساحة قبل الانفجار بدقيقة واحدة، مودّعاً رفيقه المتجه نحو المرأب. لحظات وغاب رفيقه. يقول ذلك مرتجفاً فيما ملابسه مبللة بالدماء. فتاة شهدت الانفجار عن بعد فقدت قدرتها على الحركة وواصلت إطلاق الصرخات لهول الصدمة، ما أدى إلى إسعافها مع الجرحى. هُنا كانت تقف سيدة تنتظر شيئاً ما، أحداً ما، لكن لم يبق منها حتى ما يدل على شخصيتها. المطعم المطل على الساحة أصبح مركزاً لقوى الأمن والعسكريين الذين ضربوا طوقاً أمنياً حول المكان، محاولين منع الناس من الاقتراب، فيما أصوات القذائف لا تتوقف في المناطق الساخنة المتاخمة.
المشهد من داخل دمشق القديمة ممتلئ بالرهبة. الناس هنا من كل الطوائف ملتاعون لهول المنظر. المكان الذي رمز طويلاً إلى التسامح والمحبة والجمال قد غطّاه السواد، وربما سيفرغ من روّاده لفترة من الزمن.
في موازاة ذلك، شهد حيّ العسالي في جنوب العاصمة «اشتباكات عنيفة»، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، تلت اشتباكات في حيّ تشرين في المنطقة نفسها. وأفاد المرصد عن قصف واشتباكات في مناطق من ريف دمشق. وأشار إلى «انتشال ست جثث لسيدة وخمسة أطفال من تحت الأنقاض في بلدة سقبا في ريف دمشق، التي شهدت قصفاً عنيفاً من القوات النظامية منذ أيام». من جهة أخرى، شنّت القوات النظامية هجوماً على مدينة عرطوز، التي يتمركز فيها مقاتلون معارضون، حيث أحرقت مساكن، فيما تواصل القصف العنيف على مدينة الزبداني. وفي حلب، أفاد المرصد عن انفجار سيارة مفخخة في حيّ السريان في المدينة ما أدى إلى سقوط جرحى. وذكرت وكالة «فرانس برس»، نقلاً عن مصدر أمني، أنّ الانفجار نتج من «تفجير انتحاري نفسه بسيارته قرب المشفى الفرنسي». وأشار المرصد إلى اشتباكات في حيّ بستان القصر، سقط فيها مقاتل معارض، وقنص قتل فيه رجل.
وذكرت لجان التنسيق المحلية أنّ اشتباكات عنيفة وقعت أيضاً بين مقاتلين معارضين وقوات الجيش النظامي في حيّ الميدان.
وفي محافظة إدلب، استمرت الاشتباكات، بحسب المرصد، عند المدخل الجنوبي لمدينة معرة النعمان التي سيطر عليها المقاتلون المعارضون قبل أكثر من أسبوعين، وتحاول القوات النظامية استعادتها. كذلك استمرت العمليات العسكرية في ريف دمشق، حيث أفاد المرصد عن اشتباكات في مدينة حرستا، رافقها سقوط عدد من القذائف على المدينة. وتعرضت بلدات وقرى الغوطة الشرقية، وزملكا، والزبداني، والمزارع المحيطة بمدينة دوما للقصف من القوات النظامية. وذكرت «الهيئة العامة للثورة السورية» أنّ قصفاً استهدف بلدة السيدة زينب قرب دمشق، ما أدى إلى وقوع جرحى.
كذلك أفادت وكالة الأنباء السورية «سانا» بأنّه «أحبطت وحدة من قواتنا المسلحة محاولات تسلل مجموعات إرهابية من الأراضي اللبنانية إلى سوريا عبر عدة مواقع بريف تلكلخ في حمص، وكبدتها خسائر فادحة». وأضافت أنّها «اشتبكت مع المتسلّلين عبر مواقع الرمل، والمسامك، وهرموش وأوقعت إصابات مباشرة في صفوفها وأجبرت بقية أفرادها على الانكفاء هرباً إلى داخل الأراضي اللبنانية».