بالتزامن مع عودة الحديث عن الكيميائي السوري ووجود قوات أميركية في الأردن على مقربة من الحدود السورية لمراقبة مواقع الأسلحة الكيميائية والبيولوجية في سوريا، قال مصدر موثوق لـ«الأخبار» إن دمشق أبلغت الأمم المتحدة ولجنة المراقبين الدوليين، أخيراً، أن مسلحين من المعارضة السورية يسيطرون على المعمل الوحيد والمركزي في سوريا، المخصص لتعبئة «غاز الكلور» المسال، قبل أن تعمد الأخيرة إلى إقناع المسلحين بإقفاله، من دون أن تنجح في إفراغ محتوياته.
ويحتوي المعمل على أسطوانات كبيرة، تزن كل واحدة منها مئة كيلو غرام، وتكفي الأسطوانة الواحدة منها لتعقيم دمشق لمدة أسبوع بحسب استخداماتها المدنية. لكن الأسطوانة الواحدة تكفي أيضاً لإبادة قرية بتعداد ٢٥ ألف نسمة، في حال استعملت لأغراض عسكرية. ويمكن تفجير غاز كلور بواسطة ملء أسطوانة صغيرة أو عبوة بدائية، بمادته المسالة. وينتج من ذلك تكوّن غمامة غازية لمدة أسبوع تترك إبادة جماعية في محيطها.
ووفقاً للمصدر، فإنه بعد اغتيال ضباط خلية الأزمة السورية في مبنى الأمن القومي في النصف الأول من شهر رمضان الماضي، لاحظ النظام السوري ظهور إرهاصات حملة دولية دبلوماسية وإعلامية تشكك في نيته استخدام سلاح كيميائي ضد مناطق منتفضة عليه وتسيطر عليها المعارضة، وأيضاً انتقاماً لمقتل الضباط الأربعة.
وأوضح المصدر أنه «من باب التحسّب من إمكان وجود خطة دولية مبيّتة لتوريط النظام، أعطت القيادة السياسية والأمنية العليا في دمشق حينها أمراً عاجلاً للجهات السورية التنفيذية المختصة، للقيام باستطلاع كل المراكز التي تستخدم فيها مواد كيميائية لأسباب تجارية ومدنية، فوق كل الأراضي السورية، وإعداد كشف بشأن وضعها الحالي وواقعها الأمني». وأظهر الكشف أن «المعارضة المسلحة سيطرت حديثاً على المعمل الوحيد والمركزي في سوريا المختص بتعبئة غاز الكلور المسال، وهو يقع على بعد 40 كيلومتراً شرقي حلب، على طريق الرقة قرب نهر الفرات»، علماً بأن المعمل المذكور يديره القطاع الخاص، وتملك الدولة أسهماً فيه.
وفور أخذ السلطات السورية العلم بسيطرة المسلحين على المعمل، أبلغت كلاً من الأمم المتحدة والمراقبين الدوليين الموجودين في سوريا بهذا الأمر. وحذرت من أن المسلحين أصبح لديهم عملياً غاز الكلور، أو أنهم بفعل سيطرتهم على المعمل قد يبادرون إلى استخدام هذا الغاز الكيميائي الموجود فيه بكميات كبيرة، عبر تقنيات بسيطة، كمثال وضعه في عبوات تفجّر بصاعق.
ويكشف المصدر عن أن الحكومة السورية طلبت من المراقبين الدوليين تأليف لجنة مشتركة منهم ومن موظفين سوريين رسميين مختصين لزيارة المعمل، والقيام بالإجراءات اللازمة لضمان منع المعارضة المسلحة، التي تسيطر عليه، من الإفادة عسكرياً منه. وأوضح المصدر أن المراقبين وافقوا على هذا الاقتراح، ولكنّ المسلحين رفضوا أن يرافق أي ممثل عن الحكومة السورية اللجنة. وهنا اقترحت دمشق أن يقوم فريق المراقبين بإشراف الأمم المتحدة بإفراغ المعمل من أسطوانات غاز الكلور والتخلص منها، عبر رميها في نهر الفرات القريب منه. وبعد رفض المسلحين لهذا المقترح، استقرّ الحل في النهاية على قرار يقضي بأن تذهب لجنة مؤلفة حصراً من المراقبين الدوليين الى المعمل لمعالجة الأمر. وبالفعل، زارت الأخيرة برفقة خبراء من الأمم المتحدة المعمل وأقفلته، بعدما أجرت جردة لكل الأسطوانات الموجودة فيه، وأجرت فحوصات عينية لمادة الكلور المتوافرة، كما أخذت اللجنة تواقيع المجموعات المسلحة المسيطرة على المعمل بعد موافقتهم على اعتباره منطقة محرمة يحظر عليهم دخولها.
وتقول مصادر قريبة من الحكومة السورية إن هذا الإجراء لا يعتبر من وجهة نظر دمشق كافياً، لأن المسلحين عملياً لا يزالون يسيطرون، حتى الساعة، على الموقع الجغرافي الذي يوجد فيه المعمل. أي إن خيار السلاح الكيميائي لا يزال موجوداً عملياً بين يدي المعارضة في حال قررت كسر قرار توقيعها على محضر المراقبين الدوليين ودخول المعمل، وتفريغ غاز الكلور الموجود في أسطواناته الضخمة داخل عبوات أو أسطوانات غاز صغيرة، واستخدامها عسكرياً.
ويلاحظ المصدر أنه تبيّن لاحقاً للسلطات السورية أن احتلال المسلحين للمعمل جرى في المرحلة الزمنية نفسها التي بدأت تتعالى فيها الأصوات في كل من الغرب وإسرائيل، المشكّكة في أن النظام السوري قد يستخدم أسلحة كيميائية ضد المعارضة.
وتكشف مصادر دبلوماسية مطلعة أن حواراً ثلاثياً منسّقاً، بعيداً عن الأضواء، كان جرى خلال الصيف الحالي بين سوريا وروسيا وأميركا، بشأن اتخاذ إجراءات لضمان تحييد المنتج الكيميائي الموجود في سوريا عن إمكان استخدامه عسكرياً في الصراع الداخلي، سواء من قبل المعارضة أو النظام.
ووفقاً لهذه المصادر، نجح هذا الحوار في تنفيذ خطوات عملية، قادت وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا في حينه إلى القول إن واشنطن راضية عن إجراءات الحماية التي قامت بها دمشق على صعيد خطر «السلاح الكيميائي».
وتلفت المصادر إلى أنه في الوقت عينه الذي أخذ فيه الحوار الثلاثي يحقق نتائج مرضية، أطلقت إسرائيل حملة تصريحات تحذر من الترسانة العسكرية الكيميائية السورية.
لكنّ روسيا تنشط في الكواليس الدبلوماسية للمجتمع الدولي، على خط تأكيد الضمانات بأن النظام السوري ليس في وارد استخدام الخيار الكيميائي ضد المعارضة. وتؤكد أنه فيما من المعروف أن سوريا تملك معامل للمنتج الكيميائي للاستخدامات المدنية، فإنه لا أحد في الغرب أو حتى في روسيا، يملك معلومات أكيدة عن وجود تصنيع عسكري لهذا المنتج.